وصلت رسالة نصية لاحد المتقاعدين، ذهب للمؤسسة المعنية في كربلاء، وجد نفس المعاناة التي ذكرناها وأكثر، يتم تحويل المتقاعد الى مؤسسة اخرى وهي عبارة عن بيت مستأجر، بوابته تدل على انه لم يحصل على نصيبه من الصيانة، والصدأ قد حول اطرافه السفلية الى ما يشبه الاسنان المتسوسة...
يأتيك اشعار عبر الهاتف لتغيير بطاقة استلام الراتب، تذهب الى المؤسسة الحكومية المعنية، تقف في طابور لا تعرف بدايته ولا نهايته ولا يمينه ولا شماله، لأن المكان غير مخصص للانتظار، فهناك بيت استأجرته احدى المؤسسات الحكومية وحولته الى مقر رسمي لها.
لا يهم ان كان ملائما ام لا، المهم انه يحتوي على مجموعة من الغرف لاستيعاب بعض الموظفين، اما في الخارج وهي المساحة التي تحتوي المواطنين الذين يراجعون المؤسسة الرسمية فعليهم تدبير حالهم، ينتظرون لساعات لا يعرفون من اين يدخلون وسط الطابور المائع.
وصلت رسالة نصية لاحد المتقاعدين، ذهب للمؤسسة المعنية في كربلاء، وجد نفس المعاناة التي ذكرناها وأكثر، يتم تحويل المتقاعد الى مؤسسة اخرى وهي عبارة عن بيت مستأجر، بوابته تدل على انه لم يحصل على نصيبه من الصيانة، والصدأ قد حول اطرافه السفلية الى ما يشبه الاسنان المتسوسة، بجانبه محولة كهرباء تتدلى منها اسلاك الطاقة الوطنية، واكثر منها بأضعاف اسلاك المولدات الاهلية.
الاسلاك فوق البوابة وصوت المولد الكهربائي المزعج يزيد من شعورك بانك في حفلة اهمال مطلق، تدخل من تحت خيمة الاسلاك، وعلى يمينك تنتشر الانقاض والقاذورات وبقايا الخشب ومواد البناء، مع بعض البوسترات التي كانت معلقة في الشوارع كإعلانات تدعو للتسجيل في البطاقات المالية الالكترونية والاستفادة من خدماتها حسب زعمها.
خلف البوسترات القديمة مرافق صحية بابها مفتوح بشكل دائم تحتوي على تأسيسات للماء غير كاملة كلها تدل على انها غير صالحة للعمل، وفوق سقف المرافق الصحية المفتوحة بعض السكراب وقطع الحديد المخصص للإعلانات الدعائية.
تتقدم خطوات للأمام تجد واجهة لبناية كلها تدل على انها مخصصة للمتقاعدين فهي قديمة ورثة، مكونة من طابقين.
الطابق الارضي مبني من الطابوق وسياج السطح متهرئ وسقط الكثير من طابوقه، ويبدو ان البناية قد رممت بطريقة غير صحيحة عبر طلائها بشكل غير مناسب.
تذهب يمينا يواجهك سُلّمٌ حديدي يشبه سراديب دفن الموتى، وعلى يسار السلم شباك صغير تظهر خلفه غرفة كبيرة تحتوي على اوراق ممزقة وبعضها ما تزال في ظروفها وهناك موظف لا يتجاوز عمره العشرين عاماً يتنقل بين الاوراق واغلب الاحيان يدوس على بعضها.
يستلم المستمسكات الرسمية من المراجعين ويقول جملة مكررة لكل متقاعد: اكعد حجي نص ساعة واصيح باسمك.
يعود المتقاعد الى بوابة البيت المستأجر الذي يسمى ظلماً مؤسسة مالية اهلية توزع بطاقات رواتب المتقاعدين.
يجلس المتقاعد على كراسي غير صالحة لجلوس كبار السن، فهي منزلقة وبحاجة الى اسناد القدمين بقوة حتى تحافظ على ثباتك، تشبه هذه الكراسي تلك التي توضع في العيادات الطبية الخاصة لأنها رخيصة الثمن رغم كونها غير مناسبة لكبار السن.
ينتظر المتقاعد وامامه المرافق غير الصحية المفتوحة، وبجورها السلم الحديدي وخلفه باب الشباك الذي يحدثك منه الموظف.
عندما تنظر للطابق الثاني من المبنى المخصص للمتقاعدين تجده مبني من السندوبج بنل وشكله بشع وتتدلى من سقف السندويج انابيب مياه الامطار التي ترمي فضلاتها على شباك المراجعين فتغير لون الى الازرق بسبب تجمع القاذورات وشوائب مياه الامطار.
ينتظر المتقاعد في ساحة البيت وصوت المولد الكهربائي يصرخ في اذنيه، ولمدة ساعة او ساعتين، بعدها يصيح الموظف باسمه ليستلم بطاقته المالية الجديدة التي استبدلت من اجل اخذ عشرة الاف دينار بطريقة غير شرعية من كل المتقاعدين في العراق.
هكذا يتم التعامل مع الموظف العراقي بعد نهاية خدمته، فهو مهمل ولا يحصل على رعاية تليق به، انه ليس متقاعداً بل هو موظف محكوم عليه بالموت مع وقف التنفيذ لان من يعامله هذه المعاملة السيئة لا يمكن ان يعتبر المتقاعدين اناس بحاجة الى رعاية خاصة، ربما ينظر اليهم باعتبارها كائنات معرضة للانقراض الاجباري.
ها الحال الذي يجعل المتقاعد موظفا ميتا مع وقف التنفيذ هو ذاته حال الدولة العراقية جميعها، مقرر لها ان تكون دولة لكن مع وقف التنفيذ، ولو كانت هناك دولة فعلا لاستطاعت توفير بناية محترمة تليق بالمتقاعدين، واخرى تليق بالمواطنين الاخرين، ووطن كامل يليق بالشعب العراقي.
والموظف الكبير في العراق الذي يسمى رئيس الجمهورية ورفيقه رئيس الوزراء هو ايضا موظف ميت لكنه ميت فعلياً لا يريدون لهذه الدولة ان تتحرك على عجلة التقدم وانهاء حالة الفوضى وعدم احترام الانسان، يريدوننا ان نكون مواطنين مع وقف التنفيذ، كل شيء هنا معلن بطريقة جميلة ومخطط له بدقة، لكن مع وقف التنفيذ.
اضف تعليق