q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

دروس من أمريكا

لا تُعد الديمقراطية المطبقة حاليا في الولايات المتحدة من الديمقراطيات التامة حسب تصنيف مؤشر الديمقراطية الذي تصدره الايكونوميست البريطانية. فقد اخرج المؤشر الولايات المتحدة من مجموعة الدول ذات الديمقراطيات التامة، وعددها 22 دولة، وصنفها ضمن مجموعة الدول ذات الديمقراطية المعيوبة، ليأتي تسلسل الولايات المتحدة على المستوى العالمي في الرقم 25...

لا تُعد الديمقراطية المطبقة حاليا في الولايات المتحدة من “الديمقراطيات التامة” حسب تصنيف “مؤشر الديمقراطية” الذي تصدره الايكونوميست البريطانية. فقد اخرج المؤشر الولايات المتحدة من مجموعة الدول ذات الديمقراطيات التامة، وعددها 22 دولة، وصنفها ضمن مجموعة الدول ذات “الديمقراطية المعيوبة”، ليأتي تسلسل الولايات المتحدة على المستوى العالمي في الرقم 25.

وهذا يعني ان “الديمقراطية الاميركية” التي سبق ان اعجب بها الكاتب الفرنسي ألكسيس دو توكفيل1805 – 1859 في كتابه الشهير “الديمقراطية الاميركية” بجزأيه و اللذين كتبهما في عامي 1835 و 1840، تنطوي على عيوب بدرجة معينة.

وبعض هذه العيوب قديم تم معالجة بعضها كموقفها من السود، والعبودية، فضلا عن شنها الحروب العدوانية ضد الشعوب الاخرى. وبعض هذه العيوب مستحدث مثل الشعبوية التي وصلت ذروتها بوصول دونالد ترامب الى سد الرئاسة في عام 2016. والشعبوية تستند في المقام الاول الى قوة الشارع الذي يسيطر عليه الغوغاء، ولا تعترف بالدستور او المؤسسات الدستورية.

وقد اوضحت ارقام انتخابات هذا العام ان للشعبوية في الديمقراطية الاميركية المعيوبة الكثير من الانصار (اقل قليلا من نصف عدد المصوتين). وهذا عيب كبير يؤثر على هوية الدولة الديمقراطية، وسياساتها الداخلية والخارجية، وهذا ما ظهر في الاجراءات التي اتخذها ترامب المتعلقة بالمهاجرين، والمسلمين، وعضوية الولايات المتحدة في المنظمات الدولية، والالتزامات التي سبق ان امضاها الرئيس السابق باراك اوباما وخاصة الاتفاق النووي مع ايران، وغير ذلك.

لكن في المقابل، لم تحظَ الشعبوية بتأييد الاغلبية البسيطة من ابناء الشعب الاميركي، حيث ظهر ذلك الرفض في اندلاع التظاهرات الاحتجاجية على مقتل مواطن اميركي اسود على يد شرطي اميركي ابيض، ثم تأكد هذا الرفض في حصول بايدن على الاغلبية البسيطة لاصوات الناخبين. وحين حاول ترامب تنفيذ انقلاب “ابيض” على الديمقراطية الانتخابية، تصدى له الكونغرس بحزبيه وافشل انقلابه.

وقد اكد ذلك انه في مجرى الصراع بين الشعبويين والديمقراطيين، فان النصر قد يتحقق للديمقراطيين، وان الديمقراطية قد تستطيع معالجة عيوبها اذا توفرت الادوات اللازمة. وفي مقدمة هذه الادوات وجود مؤسسات قوية، كالبرلمان، تستطيع الوقوف بوجه الفرد الشعبوي واسقاطه، وهذا ما حصل لترامب.

هذا الامر ينطبق على العراق. فالنظام السياسي في العراق لم يعد ديمقراطيا. كان في البداية ديمقراطية ناشئة قابلة للارتداد، وقد ارتدت فعلت بسبب عيوب التأسيس وتولي زمامه من قبل قوى واشخاص غير ديمقراطيين، ثم سرعان ما انزلق الى الحكم الاوليجارشي الذي يتحكم به عدد محدود من الاشخاص بعضهم غير منتخبين اصلا. لكن هذا ليس سببا كافيا للارتداد الشعبي عن الديمقراطية او اليأس من اقامتها، وانما هو دافع للعمل المدروس من اجل استعادتها واعادة بنائها على اسس سليمة تحميها من الانحراف والارتداد.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق