الازمة في اليمن بعيدة كل البعد عن الحلول التقليدية التي تسعى الأمم المتحدة الى اعتمادها... وان نجحت في جمع الفرقاء تحت مظلتها، (مقال سابق: اليمن... تقترب من الحل وتبتعد عن الامل) ... لكن يبقى تراشق "الأحذية"، والأموال المدفوعة سلفا، والتصريحات المتناقضة في معانيها، والقتال الشرس على ارض المعركة وسمائها... في اعطاء صورة حقيقية للمشهد اليومي الذي لا تريد ان تراه الأمم المتحدة او مبعوثها الدولي لحل الازمة... من يتحكم في اليمن ويشجع على الفوضى الكبيرة داخلها... هي أطراف من خارج اليمن، تهتم بمصالحها الشخصية ومجالها الحيوي هناك... وما سواه من الأحاديث والوعود الحماسية فاغلب الظن انها لا تتعدى حدود الحناجر التي صدحت بها.
المخاوف التي يمكن ان تهدد نسيج المجتمع اليمني... (وتجعلها صورة أخرى لغيرها من الدول الفاشلة)، تأتي من خارج الحدود أيضا... المثال الاوضح على ذلك ما يجري في سوريا حاليا... كان لربيع سوريا مشهد اخر لولا السباق المحموم على تصفية العداوات الإقليمية والدولية في ساحات "درعا" و"الرقة" و"دير الزور" و"كوباني" و"تدمر"... إضافة الى ما خلفته من دمار هائل في البنى التحتية ومقتل عشرات الالاف وتهجير الملايين من المواطنين داخل وخارج بلادهم... لكن هل انتهت الازمة في سوريا بعد مرور سنوات من القتال؟ او هل تمكن المختلفون في وجهة النظر، وجهات الدعم، من التوصل الى حل يقف عنده الجميع؟ ... الجواب ببساطة "لا لم يفعلوا".
المثال الثاني الواضح على التدخل الخارجي تمثله السعودية في اليمن... قادت تحالفا من دول عربية وخليجية وعدد من اصدقها المسلمين والغربيين، للقيام بعاصفة الحزم ومساعدة "هادي" للعودة الى سدة الحكم، الحوثيون وقفوا امام عودة "هادي"... وتحالفوا مع أعداء الامس، سياسيا وعسكريا، ليهرب "الرئيس" الى "السعودية" ويتقدم "المتحالفون" نحو "عدن" و"مارب" و"الجوف"، فيما هددت صواريخ "الحوثيون" مدن "نجران" و"ظهران" و"جزيان" وغيرها من المناطق الحدودية مع المملكة السعودية، من دون ان يكون هناك أي وضوح في الرؤية التي أعدتها استراتيجية "عاصفة الحزم" سوى بتقلب الصفحات واحدة تلو الأخرى... حتى وصلت الصفحة (التي يعتقد انها ليست الأخيرة) التالية الى أروقة الأمم المتحدة... التي ضغطت باتجاه القبول بهدنة أخرى لوقف العمليات العسكرية... لكسب نجاح اخر.
ما يجري في اليمن، أيضا، ليس من نوع الحروب التي يخرج منها طرف منتصر في نهاية المطاف... بل هي تعتمد على "كسر الارادات"... فالطرف الأضعف سيقبل بتقديم التنازلات في نهاية المطاف... وهذا ما يعمل الفريقان على دفعة عن نفسه بقدر المستطاع... لكن ليس الى ما لا نهاية!
وزير الدفاع السعودي "محمد بن سلمان"، توجه الى روسيا... الحليف القوي لسوريا... وإيران التي تدعم ما يذهب اليه جماعة "أنصار الله" وتعتبر ان ما يجري على اليمن هو "عدوان سعودي"... ومع ان وزير الخارجية السعودي السابق "سعود الفيصل" هاجم روسيا ورئيسها "بوتين" بشده... بعد رسالة السلام التي أرسلها الرئيس الروسي واستمع اليها المجتمعون في قمة "شرم الشيخ"... وجاء الرد السعودي على الرسالة بقول الفيصل "هو يتكلم عن مشكلات الشرق الأوسط وكأن روسيا ليست مؤثرة في هذه المشكلات، وعلى سبيل المثال سوريا... يتكلمون عن مآسي الوضع في سوريا، بينما هم جزء أساسي من مآسي الشعب السوري... يمنحون النظام السوري من الأسلحة ما هو فوق حاجته... هل هو استخفاف بآرائنا حول مصالح الشعب العربي في سوريا؟ أم هل هو عدم شعور بالكارثة التي حدثت في سوريا بالأسلحة الروسية؟
روسيا لم تصعد الموقف... بل اكتفت بالصمت الذكي... وهي تعلم ان كلام "الفيصل" ينم عن "غضب" تجاه نجاح حلفائها في الشرق الأوسط، وليس شيء اخر... سيما وان روسيا رفضت التخلي عن "الأسد" بعد الضغوطات التي مارستها السعودية لدفعها بهذا الاتجاه... لكنها لم تنجح حتى مع تجميد عقود التسليح التي تجاوزت 10 مليار دولار، او اغراق الأسواق النفطية بكميات مضاعفة من الخام.
اليوم يحاول "بن سلمان" استمالة روسيا من جديد، رفع التجميد عن العقود القديمة... البحث عن ابرام عقود تسليح جديدة يكون الاهتمام فيها كبيرة بمنظومة "الاسكندر" الصاروخية الجديدة... وربما البحث عن نووي سعودي في داخل اروقة موسكو... كل هذا قد يجري مقابل ثمن الوساطة والتوسط الروسي في اليمن أولا... وربما في سوريا لاحقا... روسيا بدورها دعت لتبادل الزيارة، بوتين في السعودية... وسلمان في روسيا... والهدف هو ضم روسيا للنادي "الخليجي" بدلا من النادي "الإيراني-السوري".
لكن هل يمكن ان يحدث تقارب حقيقي (كالذي شهدناه بين سوريا وروسيا او إيران وروسيا) بين روسيا والسعودية في الأيام القادمة؟
وهل هذا ما ترغب به القيادة السعودية الجديدة؟ ام ان الامر لا تعدى حدود الوساطة والنفوذ الروسي في المنطقة؟
اضف تعليق