تمر مناسبة \"اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني التي توافق التاسع والعشرين من نوفمبر وهي مناسبة دعت إليها الأمم المتحدة للتذكير بقرار تقسيم فلسطين رقم (181)، إلا أن هذه المناسبة تمر ويتواصل معها تكالب قوى الاستعمار والاستكبار لدعم حليفها الكيان الإسرائيلي الغاصب على حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته...
تمر مناسبة "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" التي توافق التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام، وهي مناسبة دعت إليها الأمم المتحدة للتذكير بقرار تقسيم فلسطين رقم (181)، إلا أن هذه المناسبة تمر ويتواصل معها تكالب قوى الاستعمار والاستكبار لدعم حليفها الكيان الإسرائيلي الغاصب على حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، مع أن ما يطالب به الفلسطينيون اليوم ويبحثون عنه هو المصداقية والمسؤولية الأخلاقية ويقظة الضمير من قبل القوى الكبرى ومنظمة الأمم المتحدة، وتنفيذ القرارات الصادرة عنها كقرار مجلس الأمن رقم (2334) لعام 2016، الذي أكد أن الاستيطان الإسرائيلي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وعقبة في طريق السلام، ودعا لوقفه، وقرار التقسيم وغيرهما، وكذلك رؤية الولايات المتحدة المتمثلة في "حل الدولتين".
يستحضر الشعب الفلسطيني الذكرى الـ 73 لقرار التقسيم، ولعلّ أهم ما يميّز هذه الذكرى هو الانقسامات الحادة بين الفلسطينيين أنفسهم من جهة، وسرعة عربة التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربيّة من جهة أخرى، وهذان الأمران متقاطعان ويتركان أثراً بالغاً في مستقبل الصراع وفي المآل الذي يمكن أن تؤول إليه الأمور في منطقتنا والعالم. فأمّا بالنسبة للانقسامات والشرذمة التي نشهدها في صفوف الفلسطينيين، فإن هذه هي أخطر ما أضعف القضية الفلسطينية في نظر أهلها والعالم. إذ مازال العالم الصديق والخصم يتابع سلطات تحت الاحتلال تتنازع على شرعية وهمية وحركات مقاومة يفقدها الزمن عوامل التمويل والقوّة، هذا عدا حرب إعلاميّة غير مسبوقة تقلب الأمور رأساً على عقب في أعين وعقول المشاهدين والمتابعين.
ويتزامن مع هذا كلّه تغيير جوهري في الإستراتيجية الإسرائيلية والتي كانت، ولو ظاهرياً ومنذ قرار التقسيم، تدّعي الحرص على حلّ الصراع العربيّ الإسرائيلي من خلال حلّ معضلة فلسطين، هذا التغيير الذي يركّز اليوم على التطبيع وتعزيز العلاقات مع دول عربيّة وإهمال الملف الفلسطيني على اعتبار أن التطبيع مع العرب "سيوفر حلاً للمشكلة الفلسطينية"، كما أسماها نتنياهو بدلاً من الاعتقاد الذي كان سائداً "أنّنا إذا قمنا بحل المشكلة الفلسطينية، فإن ذلك سيفتح الباب أمام علاقات أفضل مع العالم العربيّ".
إذاً بالنسبة لرئيس وزراء إسرائيل، هناك مشكلة فلسطينية، وقد تغيّرت المقاربة تجاه هذه المشكلة، فلا تطبيق قرار التقسيم ولا إنشاء دولة فلسطينية هو الحل بل التطبيع مع العرب في زمن يعلن فيه نتنياهو "أنّ لدى إسرائيل علاقات قوية بالعالم العربيّ، وهي علاقات تشهد تحوّلاً، غير مسبوق، ومنها دول رئيسية تدرك أكثر فأكثر ما قيمة العلاقات مع إسرائيل". ومع تسارع هذا التوجه يزداد الغرور والتعنت الإسرائيليان ويسود الاعتقاد أن هذه الهرولة للتطبيع هي نتاج تميّز هذا العدو وانبهار المطبعين بإنجازاته وفرادته ومكامن قوّته، ويختفي نهائياً أي حديث أو حتى إشارة إلى الحقوق وأصحاب الأرض والظلم التاريخي الذي لحق بهم وحتمية قيام الأجيال برفع هذا الظلم عن كاهل الآباء والأجداد.
ومن واجب الأجيال الجديدة أن تعرف أن مشروع تقسيم فلسطين الذي صدر عن "هيئة الأمم المتحدة" المتواطئة مع "اليهودية العالمية" في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1947، ما كان له أن يتحقق ليصبح أمراً واقعاً لولا أن:
1 ـ تقاعس العرب، في ذلك الوقت، عن التصدي لتلك المؤامرة الشرسة التي كانت بدايتها المدبرة في دهاليز مطابخ التآمر "السري في أوائل القرن الماضي، من وعد بلفور إلى سايكس بيكو إلى الانتداب البريطاني"، بل إن العرب لم يأخذوا المسألة على محمل الجد، ولم يولوها من اهتمامهم وجهدهم ما هي جديرة به، لاسيما أنها سوف تمس مصالحهم وبلادهم جميعاً في قادم الأيام، من ثم فقد تركوا الشعب الفلسطيني الأعزل بسبب وجود الانتداب البريطاني ومن قبله الحكم العثماني، وحده يواجه المؤامرة الأخطر والأدهى في عصرنا، وسائر العصور المنصرمة، على مدى التاريخ البشري كله كانت المؤامرة أكبر من إمكاناته على التصدي لها، وبرغم ذلك لم يتوان عن الثورة عليها والوقوف في وجهها باذلاً من التضحيات ما يفوق الاحتمال وما زال هذا الواقع قائماً حتى الساعة.
2 ـ النشاط اليهودي الدولي "الآيباك والماسونية والروتاري ومشتقاتها" الذي تجلى في حشد سائر القوى الداعمة له، وما أكثرها، لتنفيذ المخطط الصهيوني الذي لم يكن استهدافه لفلسطين سوى البداية، ثم الانطلاق، بعد ذلك، إلى الانتشار في المنطقة لتحقيق الأطماع اليهودية التي لا تقف عند حد، وكذلك الرأسمالية الاستعمارية شريكتها التي لا حدود لجشعها وبربريتها كما هو معروف عنها.
لقد نص قرار التقسيم الجائر على حقوق الإنسان، أفراداً وشعوباً على ما يلي: "تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وربط الدولتين المقترحتين باتحاد اقتصادي، أما القدس فتخضع لنظام دولي". حتى هذا النص، على فداحة إجحافه وإجرامه، لم ينفذ بحذافيره حيث مكَّن اليهود من تنفيذ الشطر الخاص بهم، فأقاموا دولة إسرائيل، في حين أغفل كل ما يخص الشعب الفلسطيني. وها هي عقود تمر من دون أن تكون للفلسطينيين دولة حسب منطوق القرار نفسه. ولم يحدث ذلك، بطبيعة الحال بمحض المصادفات، وإنما كان بحكم التدبير المحكم المتواطئ من قبل دول بعينها مع اليهودية العالمية، مثل بريطانيا وفرنسا وأميركا وغيرها، وما كان من تلك الهيئة إياها إلا أن غضت الطرف عن كل ذلك، وسائر ما تلاه من خروقات وجرائم يهودية في حق الشعب الفلسطيني، الذي لم يجد كثيراً من العرب، إخوانه في العروبة افتراضاً، سنداً له من القوة ما يردع الأعداء عن المضي في ممارساتهم واعتداءاتهم المادية والمعنوية، ليس في حق الشعب الفلسطيني وحده، وإنما فيما يخصهم جميعاً، شاؤوا أم أبوا، فهو ما حدث على أرض الواقع بالفعل، هذا الضعف في الموقف العربي أسفر في نهاية المطاف عن كل ما جرى في المنطقة.
اليوم وبعد 73 عاماً من كلّ المتغيرات الإقليمية والعربيّة والفلسطينية، وفي نظرة أعمّ وأشمل على هذا الصراع وعلى مجريات الأحداث في المنطقة والعالم نلمس مؤشرات تفاعل قضية فلسطين المحقّة مع الحركات والمجتمعات في العالم وتأثير هذه القضية المتنامي على مستقبل هذه المجتمعات بشكل مباشر أو غير مباشر. إذ إن الدراسات الموضوعية تظهر حجم حركات المقاطعة للكيان الصهيوني في أوروبا والعالم وتنامي التأييد لعدالة القضية الفلسطينية في الأوساط الأكاديمية الغربيّة وانكشاف المستور بالنسبة لعنصرية الكيان الصهيوني وخططه السوداء في المنطقة والعالم، الأمر الذي يعبّرون عنه بتنامي اللاسامية، ولكنّه في الواقع تنامي الشعور بتأييد العدالة من أجل فلسطين والفلسطينيين. والسؤال الذي يتعلق بمصير فلسطين في هذه الذكرى: هل نظل نكرر النواح كل عام على ما مضى وتم اقتضامه من فلسطين بصور مختلفة وهل هناك أمل في استعادة العرب لمساندة القضية؟
لقد ثبت وبشكل لا لبس فيه أننا إن لم نتعامل مع هذا اليوم ومفاهيمه وخلفيته بطريقة صحيحة ومدروسة وبإرادة قوية فإننا لن نستفيد من هذا اليوم ولن تؤدي كل المظاهر التضامنية على إيجابيتها المعنوية والدعائية إلى استعادة أي من حقوقنا المغتصبة. المرحلة تحتاج لوعي المسألة وتعقيداتها التي تفرض علينا استنفار كل قوتنا لمواجهة عدو قوي تسنده قوى كبرى لا يمكن هزيمتها إلا بذلك الاستنفار وبتلك الإرادة.
ثمة جملة من الثغرات الواجب سدها حتى نصل إلى مرحلة الاستعداد لخوض معاركنا بنجاح واقتدار، ومنها الانقسام الذي يكذب كل ادعاء لقائد أو فصيل حرصه على القضية واستعادة الحقوق، كذلك توجد ثغرة كبرى في الثقافة الوطنية والمفاهيم حتى ليكاد المرء يقرأ ويسمع الخيانات والتفريط ترفع شعاراتها وتتلى على مسامعنا بوقاحة وكأن أصحابها يرفعون لواء الكفاح المسلح والاستشهاد. وتواجهنا ثغرة كبيرة في موضوع التكتيك والرؤية السياسية في التعامل مع العدو ومع حلفائه، لابد من خوض المعركة السياسية والدعائية بحزم أكبر ومرونة موزونة تكسب الرأي العام دون تفريط أو تذلل أو شطط وهذه تحتاج لمراجعة كل النهج التفاوضي لمنظمة التحرير على مدار العقود الثلاثة الماضية.
خلاصة الكلام: لابدّ من الإقرار، بل التأكيد على أنه ما من حديث في السياسة، أو الجدل البيزنطي الذي اعتُمد على مدى عقود متعاقبة، دونما طائل، يمكن أن يعيد للشعب الفلسطيني شيئاً من حقوقه المهدرة وأرضه المسروقة غير القوة، القوة وحدها هي اللغة التي لا يفهم الأعداء غيرها، ولقد أثبتت المقاومة بأنها هي السبيل الوحيد إلى هزيمة العدو، وتحرير الأرض الفلسطينية كاملة بحدودها التاريخية، وأي كلام غير هذا ما هو إلا مضيعة للوقت، وتضليلاً مقصوداً وصرفاً للأنظار عن توخي السبيل الأوحد، والأجدى لحسم الأمور، لاستعادة حقوقنا كاملة قبل فوات الأوان، لابد من تشكيل اصطفاف وطني ومجتمعي ليكون حاضنة للمصالحة الفلسطينية، ومواجهة كل محاولات تعطيلها، كخطوة تعبّد الطريق أمام تجسيد الوحدة الوطنية الحقيقية، وإعادة بناء المشروع الوطني الشامل على أسس وطنية مقاومة، ومواجهة المخططات والمشاريع التصفوية التي تستهدف القضية الفلسطينية. ولابد من دفن مشروع التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية التي تعمل عليها الإدارة الأميركية.
اضف تعليق