تعني العدالة إعطاء كل ذي حق حقه. ان مفهومي العدالة والانصاف مترابطان بإحكام لدرجة يمكن استخدامهما اليوم بشكل متبادل. مع ذلك هناك فهم متميز للمصطلحين. اذا كان مفهوم العدالة يُستعمل بالاشارة الى مستوى الصواب، نجد الإنصاف يُستخدم عادة ليشير الى القدرة على الحكم دون تأُثير لشعور...
تركز العديد من نقاشات السياسة العامة على مفهوم الإنصاف fairness. هل الفعل الايجابي سلوك منصف؟ هل الدوائر البرلمانية اُعدت بطريقة لتكون منصفة؟ هل السياسة الضريبية الحالية عادلة؟ هل طريقتنا في تمويل المدارس عادلة؟
الحجج المتعلقة بالعدالة والانصاف لها تاريخ طويل في الحضارة الغربية. في الحقيقة، لا توجد فكرة في الثقافة الغربية ارتبطت بالأخلاق اكثر من فكرة العدالة. بدءاً من كتاب الجمهورية للفيلسوف اليوناني افلاطون، الى نظرية العدالة لفيلسوف جامعة هارفرد (جون رولس)، جميع الأعمال الكبرى في الأخلاق أكّدت على ان العدالة هي الجزء الجوهري للاخلاق.
تعني العدالة إعطاء كل ذي حق حقه. ان مفهومي العدالة والانصاف مترابطان بإحكام لدرجة يمكن استخدامهما اليوم بشكل متبادل. مع ذلك هناك فهم متميز للمصطلحين. اذا كان مفهوم العدالة يُستعمل بالاشارة الى مستوى الصواب، نجد الإنصاف يُستخدم عادة ليشير الى القدرة على الحكم دون تأُثير لشعور المرء او مصالحه. الإنصاف اُستخدم ايضا للإشارة الى المقدرة على عمل أحكام ليست مفرطة في العمومية وانما لحالات محددة وملموسة. وفي كل الاحوال، تُعد فكرة التعامل باستحقاق حاسمة في كل من العدالة والانصاف.
عندما يختلف الناس حول ايمانهم بما يجب ان يُعطى، او عندما يختلفون على القرارات التي يجب ان تُتخذ حول كيفية توزيع المنافع والأعباء بين مجموعة من الناس، فان اسئلة العدالة والانصاف ستبرز حتما. في الحقيقة، معظم الأخلاق اليوم تؤمن بفكرة ان لا فائدة من الحديث عن العدالة والانصاف ان لم يكن حول التصادم في المصالح الذي ينجم عن ندرة السلع والخدمات وحول لمنْ الاولوية باستلام تلك السلع والمنافع. عندما تبرز مثل هذه الصراعات في المجتمع، سنحتاج الى مبادئ للعدالة يقبل بها الجميع كمستويات معقولة ومنصفة لتقرير ما يستحقه الناس.
لكن القول ان العدالة هي إعطاء كل فرد ما يستحق لن يحل المشكلة. كيف نقرر ما يستحقه الناس؟ أي معيار وأي مبادئ يجب ان نستعمل لتقرير مقدار الحق لهذا او لذاك؟
مبادئ العدالة
المبدأ الأساسي للعدالة هو ذلك المبدأ الذي قبل به الناس على نطاق واسع والذي صيغ أول مرة من قبل ارسطو قبل الفين سنة وهو المبدأ القائل "يجب التعامل مع المتساوين على قدم المساواة وغير المتساوين بلا مساواة". في شكله المعاصر، هذا المبدأ يُعبّر عنه احيانا كالتالي: "الافراد يجب معاملتهم بنفس الطريقة، مالم يختلفوا بطرق ملائمة من حيث الموقف الذي يشتركون فيه". فمثلا، لو ان عامر وحنان يقومان بنفس العمل، ولا توجد هناك اختلافات ملائمة بينهما او في العمل الذي يقومان به، عندئذ فان العدالة هي ان يُدفع لهما نفس الأجر. اما لو دُفع لعامر اكثر من حنان فقط لأنه رجل او لأنه أبيض، عندئذ سنكون غير عادلين- نمارس شكلا من التمييز- لأن العرق والجنس غير ملائمين في أداء الأعمال العادية.
مع ذلك، هناك عدة اختلافات يمكن اعتبارها معايير مبررة للتعامل مع الناس بشكل مختلف. فمثلا، نحن نرى ان من العدل والانصاف ان يعطي الأب اولاده مزيدا من الانتباه والعناية قياسا بما يعطي للأطفال الآخرين، كذلك من العدل إعطاء بطاقة دخول مسرح لأول شخص من الحاضرين، وايضا نرى من العدل ان تعطي الحكومة مساعدات للمحتاجين قياسا بما تعطيه للمواطنين الآخرين الميسورين، كذلك من العدل معاقبة مرتكبي الجرائم دون غيرهم، ونرى من العدل منح مزيد من المنافع لمن بذل جهدا كبيرا في الأعمال قياسا بالآخرين. هذه المعايير – الحاجة، الجدارة، المساهمات- هي تعاملات مختلفة مبررة.
من جهة اخرى، هناك ايضا معايير غير مبررة لإعطاء الناس تعاملا مختلفا. في عالم العمل، مثلا، نحن نؤمن انه من غير العدل إعطاء الافراد تعاملا خاصا على اساس العمر او العرق او الدين. اذا كان ابن اخ القاضي تسقط عنه عقوبة السرقة بينما سارق آخر لا علاقة له بالقاضي يذهب للسجن على نفس الجريمة، او ان اخ مدير الأعمال العامة يحصل على مليون دولار عقد لتأسيس مرشات في ملعب الجولف رغم وجود عروض منخفضة السعر من متعاقد آخر، نحن نقول ان هذا امر غير عادل.
كذلك نعتقد انه من غير الإنصاف معاقبة فرد على شيء لا سيطرة له عليه، او عندما لا يُعوّض على اذى عانى منه.
الأنواع المختلفة للعدالة
هناك انواع مختلفة للعدالة. العدالة التوزيعية Distributive justice تشير الى الطريقة العادلة التي تُوزع بها المنافع والاعباء بين اعضاء المجتمع. عندما توزع مؤسسات المجتمع المنافع والأعباء بطريقة غير عادلة، سيكون هناك افتراض قوي بأن تلك المؤسسات يجب تغييرها. فمثلا، مؤسسة العبيد في امريكا قبل الحرب الأهلية في الجنوب اعتبرت غير عادلة لأنها كانت حالة واضحة للتعامل مع الناس بطريقة مختلفة على اساس العرق.
النوع الثاني الهام للعدالة هو العدالة الجزائية او التصحيحية retributive justice. العدالة الجزائية تشير الى المدى الذي تكون فيه العقوبة عادلة ومنصفة. العقوبات تُعتبر عادلة حين تأخذ بالاعتبار معايير ملائمة مثل خطورة الجريمة ونية المجرم، واستبعاد المعايير غير الملائمة مثل العرق. سيكون من غير العدل مثلا، قطع يد الافراد لسرقة 10 سنتات، او فرض عقوبة الموت على فرد جرح شخصا آخر دون قصد ودون إهمال. الدراسات تبين دائما ان السود عندما يقتلون البيض هم اكثر احتمالا ينالون عقوبة الموت مقارنة عندما يقتل البيض البيض او عندما السود يقتلون السود. هذه الدراسات تشير الى ان عدم العدالة لاتزال موجودة في نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة.
وهناك نوع ثالث مهم من العدالة هو العدالة التعويضية compensatory justice. وهي تشير الى المقدار الذي يُعوّض فيه الناس بانصاف عن الأذى الذي حصل لهم بسبب الآخرين. هذا النوع من العدالة هو السائد في الحوارات حول الأضرار التي تصيب صحة العمال في مناجم الفحم. البعض يرى ان مالكي المناجم يجب ان يعوضوا العمال الذين تضررت صحتهم. آخرون يرون ان العمال قبلوا بهذه المخاطرة طوعا عندما اختاروا العمل في المناجم.
ان اسس العدالة يمكن تتبّعها الى أفكار الاستقرار الاجتماعي والاعتمادية المتبادلة والاحترام المتساوي. وكما يشير الاخلاقي جون رولس بان استقرار المجتمع او أي جماعة، يعتمد على مدى شعور افراد المجتمع بالتعامل العادل. عندما يشعر افراد المجتمع انهم عرضة لتعامل غير متكافئ، فذلك يعني الاخلال بقواعد الاستقرار الاجتماعي والتأسيس لأجواء من الاضطراب والصراعات. ان أعضاء الجماعة، كما يقول رولس يعتمدون على بعضهم وهم سوف يحافظون على وحدتهم الاجتماعية فقط عندما تكون مؤسساتهم عادلة. كذلك، وكما يقول عمانوئيل كانط وآخرون ان البشر جميعهم متساوون في الاحترام: هم كلهم لديهم نفس الاحترام. متى ما عومل الافراد بلا مساواة على اساس خصائص عشوائية وغير ملائمة، فان احترامهم الانساني الاساسي سيُنتهك.
العدالة اذاً جزء اساسي من الاخلاق ويجب ان تُعطى اعتبارات مناسبة في حياتنا الاخلاقية. عند تقييم أي قرار اخلاقي، يجب ان نسأل ما اذا كانت أفعالنا تعامل كل الناس سواسية. ان كانت ليس كذلك، فيجب ان نقرر ما اذا كان الاختلاف في التعامل مبررا، هل المعيار الذي نستعمله ملائم للموقف الحالي؟ غير ان العدالة ليست المبدأ الوحيد للدراسة في اتخاذ القرارات الأخلاقية. احيانا، ربما تبرز الحاجة لتجاوز مبادئ العدالة لمصلحة انواع اخرى من الادّعاءات الأخلاقية مثل حقوق رفاهية المجتمع. مع ذلك، العدالة هي تعبير عن اعترافنا المتبادل بالآخرين من حيث احترامهم الاساسي، واعتراف باننا لو كنا نريد العيش مجتمعين في جماعة ذات اعتماد متبادل فيجب ان نتعامل مع الآخرين بنوع من المساواة.
اضف تعليق