تسمرت أقدام حكام الشرق الأوسط ومحكوميهم أمام وسائل الإعلام وخاصة شاشات التلفزة لمتابعة من سيكون الحاكم الجديد الذي يملك التأثير المباشر على بعضهم، ومتابعة سير العملية الانتخابية الأمريكية، والتطلع باهتمام كبير لما ستفرزه هذه الانتخابات من فوز أحد المرشحين المتنافسين، ومن سيركب صهوة جواد النظام العالمي المتهالك...
كان يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي يوما عصيبا على البعض ويوما مشرقا بالأمل على آخرين (بحسب تعبير المراقبين)، فالانتخابات ليست انتخاباتهم، وصناديق الاقتراع بعيدة عنهم، ولا يملكون التأثير على أصوات الناخبين، مع كل ذلك فقد تسمرت أقدام حكام الشرق الأوسط ومحكوميهم أمام وسائل الإعلام وخاصة شاشات التلفزة لمتابعة من سيكون الحاكم الجديد الذي يملك التأثير المباشر على بعضهم، ومتابعة سير العملية الانتخابية الأمريكية في ولاياتها المتعددة، والتطلع باهتمام كبير لما ستفرزه هذه الانتخابات من فوز أحد المرشحين المتنافسين، ومن سيركب صهوة جواد النظام العالمي المتهالك نسبيا الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية؟، وهل سيستمر هذا النظام أم سيكون في طي سجلات التأريخ؟، وكيف سيكون وجه العالم والشرق الأوسط تحديدا بتغيير رجل الولايات المتحدة الأمريكية؟.
ترامب خارج اللعبة
عبارة كثير ما وجهها ترامب إلى خصومه (أنت خارج اللعبة)، لكن لم يكن بمقدور تصوره يوما أن يكون هو (خارج اللعبة)، فبخروجه من البيت الأبيض أصبح من الصعب بالتحديد أن نعرف من صرخ فرحا من حكام الشرق الأوسط ومن صاح وجعا وخيبة بانتظار المجهول، لكن ما بات مقدرا ومكتوبا أن متغيرات جديدة بالسياسة الأمريكية ستمس بالأصدقاء من العرب والأعداء والحلفاء والأنداد في المنطقة، بداية من دول الخليج العربية (حلفاء العم سام التاريخيين) وصولا إلى إيران التي طردها ترامب من رحمته وخرج من الاتفاق النووي معها مرورا بمناطق الصراع في سوريا وليبيا واليمن والملف الفلسطيني- الإسرائيلي، إلى جانب اتفاقات السلام العربي مع إسرائيل لبعض دول الخليج التي رعى ترامب سلامها مع تل أبيب وأخرى بقيت معلقة قدم بالسلام وأخرى بالعداء كالسودان، فكيف سيكون شكل الشرق الأوسط مع الحاكم الجديد جو بايدن؟.
قيادة مختلفة والهدف واحد
خلال فترة السباق الإنتخابي خرج بايدن أمام أنصاره ليقول: "لن أفرط في قيم أمريكا من أجل صفقات بيع الأسلحة أو بيع النفط"، فالكلام كان مفهوما أكثر لحكام العرب وبالتحديد دول الخليج العربية، مما يبدو في نية بايدن تغيير سياسة الولايات المتحدة حيالهم، فالنفط الذي يسيل لعاب واشنطن هو عندهم، والسلاح الذي يمول شركات السلاح الكبرى بأمريكا قادم إليهم، لكن عندما يتعلق الأمر بالسعودية والإمارات ومعهم مصر فإن عمق تباين المنظور الديمقراطي والجمهوري لن يكون واضحا، فالمصالح المشتركة وحاجة الطرفين لبعضهما لن تؤثر بها خطبة حماسية في حملة انتخابية (بحسب مراقبين يعتقدون أن كل رئيس أمريكي سيصعب عليه تجاهل مصالح أمريكا مع الخليج ومصر)، خاصة أنها تشمل تجارة الطاقة عبر الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس، ما يعني أنه من غير المتوقع إحداث تغيير كبير على يد بايدن، باستثناء قطع العلاقات الشخصية المميزة التي كانت بين ترامب من جهة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي من جهة أخرى، والاكتفاء بعلاقات التحالف والصداقة على المستوى الرسمي.
ففي حين كانت العلاقات الشخصية مع الرئيس أكثر أهمية من المؤسسات في زمن ترامب سيحدث العكس في زمن بايدن، لينتهي الخط المباشر مع زعماء عدة وليس فقط مع ابن سلمان بل أيضا سيشمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استخدمه ترامب كثيرا في سياسته بالمنطقة ما يجعله أكثر الخائفين والمتضررين من وصول بايدن إلى الحكم (وفق محللين يعتقدون أن أردوغان ربط مصالح ترامب معه شخصيا ولم يكرس مصالح تركيا الحقيقية مع أمريكا كدولة ومؤسسات).
من جانب آخر، لم يفوت ترامب لحظة من حكمه دون أن يتبع سياسة الضغط القصوى على إيران لتركيع نظامها عبر العقوبات الاقتصادية تارة والضربات العسكرية بالتصفية والاغتيالات تارة أخرى، فخرج من الاتفاق النووي الدولي الذي شارك سلفه باراك أوباما بتوقيعه مع إيران وفرض عقوبات مشددة على موجات متتالية أنهكت اقتصاد إيران قبل أن يأمر شخصيا باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير الماضي وهو ما سيشهد انقلابا جذريا مع جو بايدن الذي أعلن صراحة أن العودة للاتفاق النووي مع إيران هو الطريق الأمثل للجم طموحات إيران والتنبؤ بأفعالها في المنطقة، مع التراجع عن عقوبات فرضها ترامب مؤخرا، وهذا الأمر بطبيعة الحال سيغضب الحلفاء العرب من جهة، كما سيثير شكوكا بين المتنفذين الأمريكيين وحلفاء آخرين مثل إسرائيل وهو الأمر الذي سيواجهه بايدن بالعمل تدريجيا مع إيران وليس دفعة واحدة.
إسرائيل تفقد هديتها
لطالما اعتبر ساسة إسرائيل أن ترامب كان هدية الله لهم، بعدما أعطاهم كل ما كانوا يتوقون إليه، فنقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس التي اعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، ثم أنهى الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وقد حقق ترامب لإسرائيل ما سعت إليه دائما بعقد اتفاقيات سلام كاملة مع دول عربية عدة، ومفاوضات غير مكتملة ما زالت في منتصف الطريق كما هو حال السودان، ورغم أن الفلسطينيين الذين رأوا بوصول ترامب إلى البيت الأبيض يوما مظلما افقدهم الكثير من مكتسبات قضيتهم إلا أن تعويلهم على بايدن لن يكون كبيرا لأنه (بحسب مراقبين لن يكون قادرا على تغيير حقائق أسسها ترامب في الشرق الأوسط بما يخص فلسطين خشية عودة النزاع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حالما انقلب بايدن على أي مكسب قدمه ترامب لتل أبيب وحرم منه الفلسطينيين).
مصير الشرق الأوسط
ما يزال هناك أكثر الأسئلة المحيرة وهو انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، في ظل سياسة بايدن المليئة بالمفاجئات بالمنطقة، فالفراغ الذي خلقه ترامب وملأته بالفعل دول لها أطماعها بالمنطقة مثل روسيا وتركيا وإيران والصين بعد أن أكد ترامب مرارا ظاهرة اهتمامه بوجود عسكري مباشر في المنطقة وتحدث عن عدم مبالاته ببلاد لم يبقى فيها إلا الرمال والموت، فيرجح بايدن تغيير مسار سياسة الولايات المتحدة في سوريا أو ليبيا والعمل على استعادة أمريكا دورها القيادي في المنطقة وتحجيم ادوار تركيا وروسيا لإعطاء الشرق الأوسط استقرارا أكبر، فهل سينقلب بايدن على كل ارث ترامب وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط؟.
اضف تعليق