هل كان البرلمان جادا في ايجاد حل للازمة المالية؟ ام انه يخشى انفجار الاوضاع الشعبية بسبب الضائقة الاقتصادية؟ وهل قانون الاقتراض حل ام خطأ آخر من مسلسل العجز الاداري وبابا جديدا من ابواب الفساد، لا يعقل ان نبيع نفطا لنأكل ونوزع رواتب لجيوش من الموظفين...
اقر البرلمان العراقي قانون الاقتراض ومعالجة العجز المالي فجر يوم الخميس الماضي المصادف 13/11/2020 وسط خلاف وانسحاب للكتل الكردستانية، مما يدل على مدى الازمة المالية الخانقة التي تعصف بالعراق وحالت دون توزيع رواتب الموظفين لأكثر من شهر... فهل كان البرلمان جادا في ايجاد حل للازمة المالية؟ ام انه يخشى انفجار الاوضاع الشعبية بسبب الضائقة الاقتصادية؟ وهل قانون الاقتراض حل ام خطأ آخر من مسلسل العجز الاداري وبابا جديدا من ابواب الفساد!!!.
لا يعقل ان نبيع نفطا لنأكل ونوزع رواتب شهرية لجيوش من الموظفين يقدرون بالملايين... هذا ما كانت تفعله كل الحكومات منذ عام 2003 والى اليوم، فبعد ان كانت رواتب الموظفين زمن النظام السابق لا تتعدى الثلاثة الآف دينار شهريا ولا تشكل اي عبء على الموازنة العامة للبلاد اصبحت اليوم من نصف مليون الى عدة ملايين وجيوش الموظفين في تزايد مستمر بسبب الزيادة السكانية اولا؛ وتضاعف عدد الخريجين سنويا ثانيا. فهل يعقل ان تدار العملية بهذه الطريقة دون وضع علاج ناجح لهذه الاشكالية حتى وصلنا الى الاقتراض الداخلي والخارجي لتسديد الرواتب ومعالجة العجز المالي ونحن من اغنى الدول النفطية واكثرها موارد؟.
ان سوء التخطيط في ادارة الموارد اولا؛ والفساد المالي والاداري ثانيا؛ والرجل غير المناسب في المكان المناسب ثالثا؛ وعوامل اخرى مثل الاحتلال والارهاب والمحاصصة والمحسوبية والمنسوبية الحزبية رابعا؛ كلها كانت عوامل حاسمة في تبديد الثروات وطرد الاستثمارات ونهب خيرات البلاد حتى افلست الحكومة وكاد مخزون العراق من العملة الصعبة على باب النفاذ، رافق ذلك كله تذبذب اسعار النفط الخام وتداعيات التظاهرات الاقتصادية السلبية وجائحة كورونا التي استمرت لأكثر من عام حتى اصبحت الدولة عاجزة عن سداد التزاماتها تجاه موظفيها ومواطنيها لأول مرة في تأريخ الدولة العراقية الحديث الحافل بالأحداث والتقلبات.
ان تشريع قانون الاقتراض ومعالجة العجز المالي ما هو الا تأجيل لمشكلة كبيرة وتهرب عن مواجهة الواقع المر والاقرار بالفشل... فالبرلمان أخفق في دوره الرقابي على السلطة التنفيذية وأصبح متهاونا معها في اخفاء الحقيقة حتى يعطيها فرصتين للاقتراض في اقل من عام.
اما من يعتبر الاقتراض حلا فانه يراهن على ارتفاع اسعار النفط، وان من يجده مخرجا واقعيا للازمة الاقتصادية فانه ينظر الى نفسه ومصالحه قبل مصلحة البلاد... فكل الدول تعاني من تداعيات كورونا لكنها تبحث دائما عن افضل الحلول واقل الخسائر ولم تبحث عن الاقتراض لأنه يكبل ارادة الدولة لمقرضيها ونظام الفوائد العالية المترتبة عليها.
ان ما نرجوه ان يكون الاقتراض الحالي لتمويل رواتب الثلاثة الاشهر المتبقية من العام هو آخر خطوة في هذا الاتجاه، وان البحث عن بدائل اخرى لتمويل عجز الموازنة يجب ان يكون بالقضاء على الفساد المالي والاداري اولا؛ وجلب الاستثمار الخارجي المستديم النافع ثانيا؛ مع توفير كافة التسهيلات اللازمة له. والسير على خطة خمسية لإدارة موارد البلد ثالثا؛ وتقنين النفقات غير الضرورية والرواتب الخيالية رابعا؛ طريقا لحلول ناجحة مستقبلية بدلا عن الاقتراض والحلول الترقيعية.
ان هيبة الدولة اصبحت اليوم على المحك بمستويين: داخلي وخارجي. فداخليا تسقط هيبة الدولة في نظر مواطنيها عندما تعجز عن سداد التزاماتها تجاههم من رواتب وحصة تموينية وخدمات اساسية، وخارجيا تفقد الدولة فعاليتها في محيطها الاقليمي والدولي عندما تعلن افلاسها وعجزها عن معالجة مشاكلها المالية الداخلية... لذا فان القضية ليست قانون تمويل عجز مالي آني لثلاثة اشهر او رواتب موظفين متأخرة بل هي اكبر من ذلك لأنها تتعلق بالعراق دولة وكيان موظفين وابناء واجيال ومستقبل؛ وهو امانة في اعناق الساسة.
اضف تعليق