الازمة اليمنية ما زالت دائمة التحول بين فصولها العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ولم يتغيب عنصر المفاجأة عن الاحداث التي تسلسلت منذ مارس الماضي، وقت انطلاق عمليات "عاصفة الحزم"، وحتى وقت انتظار "الفرج" وما تسفر عنه اجتماعات "جنيف" اليمني، برعاية الامم المتحدة، ومن دون شروط مسبقة من الطرفين (حكومة هادي والحوثيون)، الا ان ابرز هذه المفاجئات وقعت قبل ايام قليلة من ذهاب المتخاصمين الى الحوار الاممي:
- سقوط مدينة الحزم مركز محافظة الجوف المحاذية لحدود السعودية، والتي تشكل البوابة لمأرب، والتي رغبت المملكة بالسيطرة عليها لمحاصرة "صعدة" وقطع خطوط الامداد الى "صنعاء"، وهو ما يفتح الباب واسعا للحديث عن مراهنة السعودية على القوات الموالية لهادي والتي دعمتها بالمال والسلاح والغطاء الجوي، كما يعزز المخاوف بشأن امكانية النجاح في حال القيام بعمل بري سعودي.
- الشروط التي تحدث عنها "هادي" ونائبه "بحاح"، قبل الذهاب الى اي مؤتمر دولي، تبخرت مع الموافقة للذهاب الى "جنيف" ومن "دون شروط".
- حضور ايراني رسمي في السعودية، فمساعد وزير الخارجية الايراني،" حسين أمير عبد اللهيان"، توجه إلى السعودية للمشاركة في اجتماع طارئ دعا إليه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، بناءً على طلب من حكومة "هادي".
- زيارة مدير جهاز الاستخبارات الوطنية الأمريكية مع وفد امريكي، السعودية، بعد احداث "الحزم"، وسط تسريبات عن مطالبة السعودية بكميات اضافية من اسلحة متطورة، قابلها رفض امريكي خوفا من وقوعها بيد "الحوثيون".
- تسريبات اخرى اشارات الى تنامي الخلافات داخل العائلة المالكة في السعودية.
- ما زال التحالف بين الحوثيون والجيش اليمني صامد، رغم التوقعات التي اشارت الى امكانية انهيار هذا التحالف.
التوصل الى اتفاق او هدنة انسانية مؤقته، هو امر ضروري لإيقاف نزيف الدم في اليمن، وهذا ما ستسعى الامم المتحدة اليه، من خلال اقناع الطرفين، عبر لقاءات وضغوط دبلوماسية من اطراف اخرى، لإيقاف القتال خلال شهر رمضان او جزء منه في اسوء الاحتمالات، لكن الاتفاق المؤقت (في حال نجاحة) لا يعني بان الازمة اليمنية قد انتهت، بل هو حل "مؤقت"، وهو مشابه للهدنة التي استمرت لخمسة ايام فقط، ثم تواصل القتال والقصف العنيف مثلما كان، وربما بصورة اشد من السابق، في كثير من الاحيان، والحل الحقيقي هو ان يفهم جميع المتخاصمين بان "حل" الازمة يكمن في داخل اليمن وليس خارجها، بمعنى ان الاطراف الخارجية هي من تسبب في اشعال فتيل الحرب، اما اليمنيون فقد تحولوا الى وقود لها ليس اكثر.
البعض يرى ان الحوار ولد ميتا، وان الامم المتحدة لن تتمكن من تقريب وجهات النظر، لان الفرق واضح بين مطالب الحوثيون ونظرتهم الى حكومة "هادي" بانها فاقدة لشرعية وتابعة للسعودية عدوهم اللدود، وبين "هادي" وحكومته التي تنظر الى صعود "الحوثيون" على انه صعود لإيران في اليمن والخليج، وانهم اداة بيدها، ولا تعتبرهم اكثر من ميليشيات انقلبت على الحكومة الشرعية، وبين وجهات النظر المختلفة هذه، حاولت الامم المتحدة الحوار مع كل طرف على حدة، بعد ان اوجبت حضورهم الى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.
البعض الاخر يتحدث عن ملل او تململ انتاب الغرب والدول الكبرى، اضافة الى تعاظم الخلاف داخل امراء السعودية، بسبب الملك "سلمان" وابنه "محمد" الذي استأثر بكل "المناصب" و"الاموال" واصبح الرجل الاول بعد ابيه، الذي يوصف على انه "مسن" او مصاب بمرض "الزهايمر"، وان الحل الدبلوماسي قادم لامحالة، وربما سيرضى "هادي" والسعودية باي تسوية سياسية قد تحفظ "ماء الوجه"، وتبعد شبح الانتقادات الت طالت "التحالف العربي" بعد اشهر من القصف من دون تحقيق الاهداف، سوى تدمير اليمن، والنتيجة كانت تقدم الحوثيون باتجاه مركز محافظة "الجوف"، واطلاق صاروخ "سكود" باتجاه قاعدة عسكرية سعودية، تصدت اليها صواريخ "باتريوت" الامريكية، وربما اديرت بكادر امريكي ايضا؟
قد يكون التقييم المسبق لنجاح او فشل حوار جنيف القادم ضربا من الغيب، لكن في حال الاتفاق او الفشل في الاتفاق، فان الشيء المؤكد ان الواجهة السياسية لليمن قد تغيرت، وان الحوثيون او حركة "انصار الله" قد استفادوا كثيرا من "عاصفة الحزم" لبناء مستقبلهم السياسي، ليصبحوا جزء سياسيا مهما في اليمن، بعد ان قدمت لهم السعودية خدمة من دون مقابل.
الامر الاخر هو "هادي"، الذي سيكون جزء من التاريخ الماضي بمجرد انتهاء الازمة والتوصل الى حل او تسوية سياسية، الكثير من الوجوه ستتبدل، ومن ضمنها هادي، ومن يدري ربما ستشمل الرئيس السابق "صالح" واخرون.
السعودية بدورها لن تقبل الخروج المذل لصالح من تتهمهم بانهم "حلفاء ايران"، لذا ستبقى التدخلات والازمات الداخلية متوارثة في اليمن، حتى مع الوصول الى حل دبلوماسي نهائي.
الولايات المتحدة الامريكية عينها على الجميع، حوثيون، السعودية، ايران، القاعدة، صالح، واغلب الظن انها ستشجع اي مبادرة في مقاب معاودة نشاطها الامني والاستخباري في اليمن. مالم يبادر اليمنيون انفسهم الى الحل... فاليمن ستقترب في نهاية المطاف من الحل السياسي... لكنها ستبتعد عن الامل في انهاء الازمات الخارجية المزمنة والخلاص منها بصورة نهائية.
اضف تعليق