قد يختلف القانون الجديد من حيث إقرار الدوائر والقوائم عن القانون السابق وقد يقترب منه في السياق العام والمسائل الإجرائية والشكلية، ومن أجل الإحاطة بهذا القانون سنبين من خلال هذه القراءة لأهم بنوده لمعرفة مدى انسجامه مع طموحات الناس في التغيير وتحقيق العدالة لغير الكتل السياسية...
يعد تشريع قانون انتخابي جديد أحد أهم المطالب السياسية والاجتماعية الضاغطة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق كون النظام الانتخابي إلى جانب الديمقراطية أداة رئيسية في أي تغيير وإصلاح سياسي مرتقب، وكان محط اهتمام ومطالبة من قبل شرائح مجتمعية مختلفة، ومنها الجماهير المحتجة على الطبقة السياسية التي أضعفت الدولة وأساءت التحكم في مؤسساتها واستغلال ثرواتها.
ولما كان للقانون السابق سانت ليغو من مساوئ ساهم في تدوير الرتابة والركود السياسي من خلال حفاظ الكتل والأحزاب السياسية على وجودها في العملية السياسية، وقد صادق رئيس الجمهورية على القانون الانتخابي ذي الرقم (9) لسنة 2020 وبموجب المادة (48) منه ألغى قانون انتخاب مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 وتعديلاته.
وقد يختلف القانون الجديد من حيث إقرار الدوائر والقوائم عن القانون السابق وقد يقترب منه في السياق العام والمسائل الإجرائية والشكلية، ومن أجل الإحاطة بهذا القانون سنبين من خلال هذه القراءة لأهم بنوده لمعرفة مدى انسجامه مع طموحات الناس في التغيير وتحقيق العدالة لغير الكتل السياسية، وما حدود اختلافه عن القوانين الانتخابية السابقة، سنعرف ذلك من خلال المحاور الآتية:
أولاً: الدوائر الانتخابية
عرف القانون الانتخابي، الدائرة الانتخابية بأنها كل منطقة محددة خصص لها عدد من المقاعد، نص قانون انتخابات مجلس النواب العراقي محل البحث على الدوائر الانتخابية في مادته (13) من حيث عدد أعضاء مجلس النواب على أن يقسم العراق كما في القوانين الانتخابية السابق إلى 329 مقعدا أي ما نسبته مقعد واحد لكل 100,000 من عدد السكان العراق، رغم المطالبات الشعبية على تقليل عدد أعضاء مجلس النواب إلى النصف.
ويبدو أن القيود الدستورية، ورغبة الكتل السياسية في إبقاء مقاعد البرلمان على ماهي عليه، كما أقر أيضا حصص المكونات في الفقرة ثانيا من المادة أعلاه خمسة مقاعد للمسيح ومقعد واحد لكل من المكون الايزيدي في الموصل، والصابئي في بغداد والشبكي في الموصل والكورد الفيليين في واسط، وهذا القانون اختلف عن قانون انتخاب مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2014 بمادته (11/اولاً وثانياً) بإضافة مقعد نيابي للكورد الفيلين عن محافظة واسط.
طبعا هذه المجموعات هم مواطنون عراقيون وهم منتشرون في أغلب محافظات العراق ولو أن مجلس النواب جعل الدائرة واحدة لكل العراق لكان أفضل حتى تكون المنافسة بين المرشحين لكل فئة من هذه المجموعات عادلة فعلى سبيل المثال الصابئة هم متواجدون في بغداد بكثرة وكذلك في محافظة العمارة وهذا ينطبق على الكورد الفيلين فإنهم موجودون في بغداد مثلما موجودون في محافظة واسط، ومما يجدر ذكره أن المادة 14 من ذات القانون اشترطت عند تقديم القائمة المفتوحة أن يراعي تسلسل النساء بنسبة امرأة بعد كل ثلاثة رجال لتحقيق ما يعرف بكوتا النساء.
ثانياً: النظام الانتخابي
أقر القانون من خلال المادة (15/أولاً) بتقسيم الدوائر الانتخابية في المحافظة الواحدة، وجعل تكوين الدوائر الانتخابية محددا مسبقا من خلال مجلس النواب، ومن المعلوم أن مجلس النواب ناقش النظام المتعدد الدوائر ورأى بأن الأفضل له وهنا نتحدث عن الكتل والأحزاب الممثلة فيه، بأن يأخذ المجلس بالدوائر الوسطى، أي أن المحافظة الواحدة تقسم حسب عدد مقاعد كوتا النساء في كل محافظة، أي إذ كانت كوتا النساء في محافظة النجف ثلاثة فعدد الدوائر ثلاثة وهكذا باقي المحافظات كما أن الترشيح يكون فرديا ضمن الدائرة الانتخابية، واكتفت المادة 8 خامسا أن يكون المرشح من أبناء المحافظة، مما يعني أن المرشح سيختار الدائرة التي يرغب بها داخل المحافظة.
وكان من المفترض على مجلس النواب أن يحدد بأن يكون الترشيح حسب الدائرة التي يقيم بها، وأن يقر أيضا مدة زمنية للسكن والإقامة كأن تكون مدة خمسة سنوات على أقل تقدير في حين المادة (8/خامساً) من القانون بأن يكون المرشح من أبناء المحافظة أو مقيم فيها، وهنا ملاحظة مهمة كان على مجلس النواب الانتباه لها لو شخصا ما ممكن أن يقيم في محافظة ما قبل شهر وبالتالي من حقه بموجب ذلك أن يرشح فيها.
من جانب ثاني سمحت المادة 8/رابعا أن يكون المرشح حاصلا على شهادة الإعدادية على الأقل، في حين أن مجلس النواب في دورته السابقة حاول أن يحجم من مشاركة المرشحين من هم لا يحملون شهادة جامعية بنسبة معينة تصل إلى 20% ويبدو مجلس النواب الآن جعل المشاركة في الترشيح لكل من يحمل شهادة الإعدادية فما فوق.
أما عن آلية احتساب الأصوات فقد أقر القانون بأن يكون تسلسل المرشحين في الدائرة الانتخابية وفقا لعدد الأصوات التي حصل عليها كل منهم، وجعل الفائز من يحصل على أعلى الأصوات، وفي حالة تساوي أصوات المرشحين يتم اللجوء إلى القرعة، وفيما يخص كوتا النساء فقد أكد في المادة (11) على أن يكون تمثيل النساء بما لا يقل عن 25% وقد حددت نسبة الكوتا لكل محافظة.
كما أقر القانون انتخابات الخارج في مادته (39/رابعاً) وفي ضوء الخروقات الكبيرة التي كانت تشهدها انتخابات الخارج أن يلغيها حيث كثيرا مما تأخذ وسيلة لصعود أو نزول كتل معينة، كما أقر القانون في الفقرة أولا من ذات المادة أعلاه الانتخاب أيضا مثل السابق للمنتسبين من القوات الأمنية بمختلف تشكيلاتها، وهنا أيضا تظهر ملاحظات فنية كثيرة منها الضغوطات والولاءات قبل وأثناء التصويت، وحاول القانون أن يحجم من الخروقات التي تحدث عبر النص على سحب البطاقات الانتخابية من المنتسبين بعد التصويت مباشرة.
ومن حيث الجانب الإجرائي يلاحظ في القانون وضع في موعد إجراء الانتخابات في السياقات الطبيعية أنه نص على أن تجري الانتخابات قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية بـ(45)، لاسيما وأن كل الاستعجال الحالي في إقرار حتى هذا القانون نفسه هو من أجل إجراء الانتخابات المبكرة، ربما أراد مجلس النواب أن يترك مسألة موعد الانتخابات المبكرة إلى السلطة التنفيذية إذ فيها متطلبات دستورية وقانونية عديدة منها طلب مقدم من رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية يقترح فيه حل مجلس النواب ويكون ذلك قبل إجراء الانتخابات بما لا يقل عن (90) يوماً.
مما تقدم، نصل إلى الآتي: أن قانون رقم (9) لسنة 2020 والذي ستجري بموجبه أي انتخابات قادمة سواء كانت مبكرة وهو المتوقع بحكم رغبة الفواعل الاجتماعية والسياسية الساخطة على الطبقة السياسية أو في المدة الدستورية الاعتيادية أي عند انتهاء الفترة الدورية الحالية لمجلس النواب يتضمن القانون الجديد عدد من المسائل ومن أهمها ما يلي:
1- إن هذا القانون أقر الانتخاب على أساس فردي لكل دائرة انتخابية مع إمكانية أن تكون هناك قوائم مفتوحة.
2- أنه أقر تسلسل المرشحين على أساس ما يحصل عليه المرشح من أصوات، وهذا قد يمنع شراء المقاعد في حالة استقالة أو وفاة الناخب أو عند حدوث عارضا ما.
3- أقر القانون المرشح الفائز هو من يحصل على أعلى الأصوات من بين المرشحين الآخرين بغض النظر عن عدد الأصوات التي سيحصل عليها هذا المرشح في دائرته الانتخابية.
4- وضع القانون بندا ينص على ضرورة إعلان النتائج بعد مرور 24 ساعة على الانتخابات وذلك في ضوء ما تقره الدوائر الانتخابية وتفرعاتها من المراكز والمحطات الانتخابية من نتائج، وهذا مهم حتى يمنع التلاعب الذي غالبا ما يحصل بسبب تأخير إعلان النتائج بدواعي عمليات العد والفرز.
5- ذهب القانون إلى توزيع المحافظة إلى الدوائر الوسطى أي أن تقسيم أي محافظة سيكون على شكل دوائر وسطى بحسب ما أقره مجلس النواب وذلك بما اعتمده على توزيع كوتا النساء، وهذا بالتأكيد يلبي جزءا كبيرا من رغبة الكتل السياسية خاصة الكتل التي لديها جمهور شعبي وتملك حركة تنظيمه قبل الانتخابات وأثنائها.
6- أقر القانون النظام الالكتروني البايومتري في التصويت وإعلان النتائج أيضا، مثلما أجريت الانتخابات النيابية لعام 2018، هذا وأن كان إقرار صائب لكن يحتاج إلى العمل على تجاوز العقبات والتحديات التي واجهت التصويت بالنظام البايومتري في الانتخابات البرلمانية السابقة.
7- منع القانون من انتقال النائب الفائز في الانتخابات من كتلته البرلمانية إلى كتلة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة وهذا من شأنه أن يقلل من شراء الذمم بالمال السياسي أو الإغراءات أو حتى التهديدات الداخلية والخارجية.
8- إن القانون سيساهم في صعود فئات مستقلة بحدود معينة وسيحدث تغيير جزئي على مستوى المجلس النيابي المقبل لكن سيبقى على تمثيل كبير للكتل السياسية التقليدي لاسيما التي لديها جمهور مثلما ذكرنا فيما ستتأثر الكتل التي تعتمد على المعايير النخبوية أو الاستقطابات الناجمة عن تأثيرات السلطة، فيما سيكون لجانب الولاءات العشائرية دورا في صعود مرشحين عشائرية في الدوائر الانتخابية التي تطفو عليها الصبغة العشائرية.
9- تجاهل القانون الرغبات الإصلاحية الداعية إلى حصر الانتخابات على مواطني الداخل فقط على الأقل في هذه الفترة.
10- لم يحصر القانون حق الترشيح للانتخابات على حملة الشهادات الجامعية من حملة الدبلوم وبكالوريوس وصاعدا، إنما منح حق الترشيح لما حصل على شهادة الإعدادية.
11- القانون الجديد هذا وبغض النظر عن السلبيات والايجابيات هو من حيث الشكل والمضمون أفضل بكثير من قانون سانت ليغو الذي أجريت بموجبة الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة، لكن مع هذا القانون ليس كل شيء في الأنظمة الديمقراطية وإنما ضرورة الوعي الثقافي السياسي لدى عموم الشعب والمشاركة الانتخابية بكثافة مع الحرص في الانتخاب على تقديم المصالح الوطنية والكفاءات والنزاهة، والبرامج الانتخابية العقلانية المقبولة من المرشح والتعاهد بمحاسبته بالطرق القانونية والمعنوية في حالة إخفاقه أو تهربه في أداء واجباته الوطنية والأخلاقية أمام الشعب إذا ما فاز المرشح في دائرته الانتخابية.
اضف تعليق