الاستبدال السياسي، او تداول السلطة بعبارة اخرى، يعني تغيير فئة حاكمة بأخرى، وفي المجتمعات الديمقراطية حسنة التنظيم يتم ذلك من خلال الانتخابات الدورية التي تختبر ارادة المحكومين بشأن الفئة الحاكمة. والانتخابات الاميركية مثلا نموذج للاستبدال الدوري في الفئة الحاكمة حيث يتم الرجوع الى الشعب الأميركي...
الاستبدال السياسي، او تداول السلطة بعبارة اخرى، يعني تغيير فئة حاكمة باخرى. وفي المجتمعات الديمقراطية حسنة التنظيم يتم ذلك من خلال الانتخابات الدورية التي تختبر ارادة المحكومين بشأن الفئة الحاكمة. والانتخابات الاميركية مثلا نموذج للاستبدال الدوري في الفئة الحاكمة حيث يتم الرجوع الى الشعب الاميركي كل اربع سنوات للاختيار بين فئتين هما: الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.
وعادة ما يحدد المحكومون خياراتهم بشأن الفئة الحاكمة بناء على اداء الفئة الحاكمة، ووعود الفئة المنافسة له، ومدى ثقة الناخب بهذه الوعود. وهذا امر غير مألوف في المجتمعات الخاضعة لانظمة حكم دكتاتورية كما حصل في العراق سنة ١٩٦٨ حين استولت فئة على الحكم، هي حزب البعث، دون الرجوع الى الشعب العراقي، واستمرت في الحكم لغاية عام ٢٠٠٣ حيث ازيحت منه بفعل القوة الخارجية المسلحة للولايات المتحدة الاميركية.
واذا كان الاستبدال السياسي، او التداول السلمي للسلطة، يعبر عن حركية وديناميكية المجتمع، وهذه حالة حضارية صحية، فان احتكار السلطة السياسية، وعدم السماح بتداولها، اي ايقاف الاستبدال السياسي، يعبر عن خلل حاد وخطير في المركب الحضاري والقيم الحافة بعناصره، حيث يعني مصادرة حق العنصر الاول في المركب الحضاري، وهو الانسان، في تقرير مصيره واختيار حاكميه وممثليه، على المستوى التشريعي والتنفيذي. وبسبب تدني مستوى الثقافة السياسية، الديمقراطية والحضارية، فان المجتمع قد لا ينتبه الى هذا الخلل الحاد في المركب الحضاري، ويتقبل، بهذه الطريقة او تلك، حالة احتكار الحكم من قبل فئة ما وعدم السماح بالاستبدال السياسي والتداول السلمي للسلطة. ويعود ذلك جزئيا الى نجاح الفئة الحاكمة في تجزئة المجتمع، وتسطيح وعيه، حسب تحليل السيد محمد باقر الصدر لاثر "الظاهرة الفرعونية"، كما سماها، في المجتمع البشري.
وبالعودة الى الفهم الحضاري للقران الكريم، نجد انه اشار الى الاستبدال السياسي في عدد من اياته كما في الايتين التاليتين، "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، "هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"، ونسبة المداولة والاستبدال الى الله تعني انها سنة اجتماعية وقانون تاريخي، وبذلك نُخرج الاية من التفسير الغيبي الى التفسير الموضوعي لها.
بمعنى ان الاستبدال السياسي ظاهرة سياسية اجتماعية تحصل على ايدي الناس وبايديهم بناء على ما في المجتمع من سنن وما في التاريخ من قوانين، وهذه على ثلاثة انواع هي: الحتمية، والشرطية، والاتجاه العام. ويبدو ان الاستبدال، حسب القران، من القوانين الحتمية في المجتمع. وهو نتيجة لسوء اداء الفئة الحاكمة المؤدي الى تغيير قناعات المحكومين وتبلور ارادتهم في استبدال الفئة الحاكمة وتوفر عوامل القوة المساعدة على ذلك.
لكن الاستبدال قد يتم باحد اتجاهين، فقد يكون استبدالا نحو الافضل، وقد يكون استبدالا نحو الاسوأ، والامر في الحالتين يعتمد على المحكومين، او الناخبين.
من الناحية الحضارية، اي المجسدة لمنظومة القيم العليا الحافة بعناصر المركب الحضاري الخمسة، فان الاستبدال المحمود والمحبب هو ما اسفر عن وصول فئة افضل الى الحكم، بهذا المعيار، اي منظومة القيم العليا، وذلك بدلالة قوله تعالى:"ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"، اي ان لا يكونوا مثل الفئة التي يجري استبدالها والمتصفة، في الاية، بالبخل. والبخل، اي عدم الانفاق في سبيل الصالح العام (وهذا هو معنى سبيل الله) احد مصاديق سوء الاداء. فالاستبدال لا قيمة له بحد ذاته ما لم يؤد الى الافضل.
اضف تعليق