المشكلة بالنسبة للعراق هي التغول الأميركي والإيراني في استخدام أراضيه كساحة حرب، وتصاعد حدة الصراع بين الطرفين ليخرج من مرحلة الاحراج وانتهاك السيادة الى مرحلة سلب السيادة بشكل كامل، فقد تضطر بغداد لوضع حدود لعلاقتها مع السفير الإيراني وفقا لقوانين العقوبات الأميركية...
فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات إيرانية بينهم سفير طهران في بغداد إيرج مسجدي، تحت يافطة تبعية هذه الشخصيات للحرس الثوري الإيراني، حيث تدخلت في الانتخابات الأميركية بحسب بيان رسمي أميركي.
تقول وزارة الخزانة الأميركية ان مسجدي كان "مستشاراً وثيقاً" للقائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتيل مطلع العام الجاري بغارة جوية أميركية مع رفيقه أبو مهدي المهندس رئيس اركان الحشد الشعبي في العراق، كما انه أشرف على برنامج لتدريب المجموعات المسلحة التي تهاجم المصالح الأميركية في العراق، فيما تقول اميركا انه يستخدم منصبه كسفير لإخفاء تحويلات مالية لصالح فيلق القدس الإيراني.
تأتي هذه العقوبات في الوقت الذي استنفدت واشنطن كل وسائل الضغط ضد طهران، ترامب لا يتبع طريقة العقوبات المشددة، بل ينفذ استراتيجية الخنق حتى الموت للنظام الإيراني الذي لم يستجب طلباته في عقد اتفاق جديد للملف النووي الشائك، وقد استدار ترامب لفرض عقوبات قوية ومميتة لإيران عبر اغلاق منافذ التصدير والاستيراد لدرجة دفعها الى الاستغاثة بالعالم للحصول على الادوية والمواد الأساسية.
اما ايران فلا مكان لها للرد على المصالح الأميركية سوى العراق، باعتباره الساحة الأقرب والاسهل لخوض تكتيكات حرب العصابات، عبر تنشيط الجماعات الحليفة، وبالفعل هذا ما حدث عبر ضربات صاروخية شبه يومية، ما اغضب الولايات المتحدة ودفعها لتهديد العراق بغلق سفارتها في بغداد في حال لم تتوقف هجمات الجماعات المتحالفة مع طهران، ولان التهديد كان جديا توقفت بعض الجماعات المسلحة وأعلنت هدنة مؤقتة، فيما دعت الخارجية الإيرانية الى إيقاف الهجمات ضد البعثات الدبلوماسية في العراق، والمقصود هنا السفارة الأميركية التي كانت تتعرض لهجمات شبه يومية.
صارت الحرب واضحة، كل فعل أميركي ضد طهران، ترد عليه الأخيرة عبر الأراضي العراقية، وكل عقوبة أميركية تقابلها هجمات إيرانية عسكرية لكنها صغيرة عبر الأراضي العراقية، وبما ان واشنطن لديها خيارات كثيرة للرد والمناورة فإنها استخدمت البنوك والقضايا الاقتصادية لمحاصرة طهران، اما الأخيرة فلا تملك سوى العراق لذلك نشطت بشكل كبير، ليس عبر العقوبات ضد خصمها اللدود، بل عبر أساليب معروفة منذ ثورتها عام 1979 وحتى الان.
الجديد في العلاقة المتوترة بين طهران وواشنطن هو فرض العقوبات ضد شخصيات دبلوماسية لدى الطرفية ولها ارتباط رسمي مع العراق، وهما السفير الإيراني في بغداد ونظيره الأميركي، فواشنطن ترتدي سترة النجاة ونزلت الى الميدان العراقي وعلى ما يبدو الحركة الأخيرة قبل الانتخابات متمثلة بفرض عقوبات ضد السفير الإيراني في بغداد ايرج مسجدي.
لم تتأخر طهران بالرد، فأعلنت الجمعة عن فرضها عقوبات على السفير الأمريكي لدى بغداد ماثيو تويلر، ودبلوماسيَيْن آخرَين لدورهم في "أعمال إرهابية بالعراق والمنطقة"، اذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، عبر تويتر، إن "بلاده أدرجت سفير الولايات المتحدة في بغداد ماثيو تولر، ونائبه ستيف فاجن، والقنصل الأمريكي العام في أربيل راب والر، ضمن قائمة الحظر الخاصة بها".
الخارجية الإيرانية في بيان، إن "هؤلاء المسؤولين الأمريكيين يتحملون بدءًا من الآن التبعات والالزامات المدرجة في قانون مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات الإجرامية والإرهاب الأمريكي في المنطقة، وبالتالي فإن على جميع المؤسسات المعنية اتخاذ الاجراءات اللازمة ضدهم طبقا للقانون".
المشكلة بالنسبة للعراق هي التغول الأميركي والإيراني في استخدام أراضيه كساحة حرب، وتصاعد حدة الصراع بين الطرفين ليخرج من مرحلة الاحراج وانتهاك السيادة الى مرحلة سلب السيادة بشكل كامل، فقد تضطر بغداد لوضع حدود لعلاقتها مع السفير الإيراني وفقا لقوانين العقوبات الأميركية، كما انها تتوقع عمليات انتقامية إيرانية ضد الشخصيات الأميركية المعلنة في قائمة العقوبات الإيرانية، فطهران لا تملك بنوكا ولا علاقات قوية مع الخارج لذلك قد تلجأ للحل العسكري وهذا اخطر شيء قد يتعرض له العراق ويسلبه منه مزيدا من السيادة ويجعله عرضة للقرارات الدولية.
اضف تعليق