الانتخابات في الاصل حل لمشكلة عويصة تواجه المجتمعات البشرية وهي مشكلة تداول السلطة ومصدر شرعيتها. وقد توصلت البشرية بعد جهد عظيم وتضحيات كبيرة الى فكرة الانتخابات كالية سلمية لتداول السلطة دوريا في المجتمع. و كأي علاج يأخذه الانسان، فقد كان للانتخابات ايضا سلبياتها وايجابياتها...
الانتخابات في الاصل حل لمشكلة عويصة تواجه المجتمعات البشرية وهي مشكلة تداول السلطة ومصدر شرعيتها. وقد توصلت البشرية بعد جهد عظيم وتضحيات كبيرة الى فكرة الانتخابات كالية سلمية لتداول السلطة دوريا في المجتمع. و كأي علاج يأخذه الانسان، فقد كان للانتخابات ايضا سلبياتها وايجابياتها. ويعتمد بعض هذه السلبيات والايجابيات على المستوى الحضاري للمجتمع، الذي يشمل ايضا مستوى الثقافة العام ومستوى الوعي السياسي.
وفي مجتمع متخلف، بالقياس الى معايير ومؤشرات الدولة الحضارية الحديثة، فان الانتخابات تتعرض الى بعض العوامل السلبية المتعلقة بالمجتمع المتخلف نفسه، مما يؤثر على نزاهة الانتخابات، وعدالتها، وصحة صفتها التمثيلية.
ومن هذه العوامل السلبية: المؤثرات السابقة للدولة الحضارية الحديثة مثل غلبة الارتباطات العشائرية او الطائفية او المصلحية الضيقة على العامل الوطني والديمقراطي. وكذلك المال السياسي الذي يتمكن من شراء اصوات الناخبين مسبقاً. وكذلك وجود السلاح بايدي الناس وعدم احتكاره من قبل الدولة. وكذلك الفساد الاداري والسياسي، والجهل والفقر وغيرها.وتتحكم هذه العوامل على خيارات الناخب ودوافعه لاعطاء صوته لهذا المرشح او ذاك.
هذه سلبيات متعلقة بالمجتمع، وليست متعلقة بالنظام الانتخابي المتبع. صحيح ان هناك العديد من الانظمة الانتخابية، و لا يخلو ايّ منها من سلبيات وايجابيات. ولكن يجب التمييز بين سلبيات النظام الانتخابي وبين وسلبيات المجتمع، وعدم الخلط بينها، وعدم تحميل النظام الانتخابي مسؤولية سلبيات المجتمع. وهذا ما لا اجده واضحا في نقاشات بعض الاخوة لنظام الانتخاب الفردي، حيث يسقطون عليه سلبيات المجتمع المتخلف حضاريا وسياسيا، في حين ان هذه السلبيات الموجودة على اية حال تؤثر على الناخب بغض النظر عن النظام الانتخابي المتبع. ويترتب على هذا ان اقول ان معالجة سلبيات النظام الانتخابي شيء، ومعالجة سلبيات المجتمع المتخلف شيء اخر.
وهناك عدة طرق واليات لمعالجة سلبيات المجتمع المؤثرة على السلوك الانتخابي للفرد خاصة والعملية الانتخابية عامة. ومن هذه الاليات العلاجية القوانين عامة و قانون الاحزاب خاصة. والفكرة الحاكمة هنا هي ان القوانين يجب ان تقرب المجتمع من فكرة الدولة الحضارية الحديثة وليس العكس، وان تعالج امراض المجتمع وظواهره السلبية لا ان تستسلم لها وترسخها وتشرعنها.
واذا كان من امراض المجتمع الانقسام الحاد الى طوائف وشيع متناحرة فان القوانين، وخاصة قانون الاحزاب، يجب ان تسعى الى الحد من هذه الظواهر السلبية والامراض السياسية. وقد تأكد لنا ان مجتمعنا السياسي يعاني من الكثرة المفرطة في عدد الاحزاب السياسية، بحيث تعدت الانتماءات الدينية والعرقية والطائفية، لتصبح احزابا شخصية او موسمية.
ولهذا يجب ان يكتب قانون الاحزاب بطريقة تضمن ان تكون مخرجاته عدد قليل جدا من الاحزاب العابرة للخطوط المكوناتية. ويتم هذا بوضع شروط مشددة تمنع من تشكل احزاب مغلقة طائفيا او عرقيا او مناطقيا، بما في ذلك النص على ضرورة ان يكون للاحزاب المشاركة في الانتخابات العامة وجود ملموس عدديا في عدد كبير من المحافظات العراقية (كالنص مثلا على ان يكون للحزب وجود ملموس في ١٢ محافظة بمعدل ٥٠٠٠ عضو للمحافظة الواحدة). مثل هذه الشروط سوف تدفع مجموعات الناشطين السياسيين الى التجمع في كيانات حزبية كبيرة يمكنها الفوز بعدد كبير من المقاعد البرلمانية.
كما يمكن التمييز بشكل حاسم بين الاحزاب الوطنية والاحزاب المحلية المغلقة، بحيث يسمح فقط للاحزاب الوطنية بالمشاركة بالحكومة الاتحادية، فيما يقتصر عمل الاحزاب المحلية المغلقة على المشاركة في الادارات المحلية لمناطقها. وهذا يتطلب بطبيعة الحال ان يكون مشرّعو هذه القوانين من المؤمنين بفكرة الدولة الحضارية الحديثة.
اضف تعليق