فان هذه هي لحظة اختبار تاريخية حاسمة للحركة الاحتجاجية، لوعيها ولتمسكها بالديمقراطية، وقدرتها على التصدي لمحاولات افشال المشروع الحضاري الديمقراطي من قبل الاقطاعيات السياسية، لست متفائلا جدا في هذه اللحظة بامكانية نجاح الحركة الاحتجاجية في هذا الاختبار مالم تبادر هذه الحركة الى اعلان موقف صريح وحاسم...
اخيرا وافق مجلس النواب، في غفلة من الشعب المشغول بامور اخرى اكثر اهمية، على مقترح اللجنة القانونية بان يكون عدد الدوائر الانتخابية في كل محافظة مساويا لعدد المقاعد المخصصة لتمثيل النساء (الكوتا) في تلك المحافظة.
لا يمكنني القول بان النواب الذين وافقوا على هذا المقترح بانهم لا يفهمون مغزى الانتخاب الفردي (نائب واحد لكل دائرة انتخابية، دوائر انتخابية مساوية في العدد لعدد النواب)؛ بل ان نواب "النعم" على وعي كامل بابعاد هذا القانون وخطورته على الاقطاعيات السياسية من جهة، واهميته في ترسيخ الديمقراطية من جهة ثانية. وبهذا فبمقدوري القول بملء الفم ان النواب الموافقين: (١) مع استمرار الاقطاعيات السياسية، و (٢) معادون للديمقراطية. ولا يوجد امل فيهم بالمشاركة في بناء دولة حضارية حديثة في العراق تقوم على اسس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث.
بصراحة، حين اقترحتُ فكرة الانتخاب الفردي قبل سنوات كنت ابغي من وراء ذلك تحقيق ثلاثة اهداف:
الهدف الاول، القضاء على الاقطاعيات السياسية وتفكيكها، التي كوّنها ورسخها الانتخاب بالقائمة، والدائرة على مستوى المحافظة، وقبلها الدائرة الواحدة. الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة كان سيكتب قصة النهاية لهذه الاقطاعيات السياسية.
الهدف الثاني، منع غير المتمتعين بشعبية حقيقية من الوصول الى مجلس النواب، ذلك ان طريقة القائمة المغلقة مكنت اغلب "الفائزين" من المرشحين من الوصول الى مجلس النواب بدون الحصول على عدد كاف من الاصوات، لانهم كانوا يحصلون على المقعد النيابي بقوة الاصوات التي حصل عليها رئيس القائمة مثل اياد علاوي ونوري المالكي وغيرهما. وهذا ما اخل بصورة كبيرة بالصفة التمثيلية لاعضاء مجلس النواب. فرغم ان الدستور يقول ان النائي يمثل افتراضيا ١٠٠ الف مواطن، الا ان الاشخاص الذين وصلوا الى مجلس النواب لم يحصلوا الا على اعداد قليلة جدا لا تكفي لجعلهم نواب حقيقيين للشعب، ماعدا حوالي ١٥ شخصا حصلوا على ١٠٠ الف صوت او يزيدون.
الهدف الثالث، تعميق الديمقراطية لان الانتخاب الفردي يحقق امرين في ان واحد. الامر الاول ما ذُكر في الهدف الثاني وهو ايصال المستحقين من حيث عدد اصوات الناخبين الى مجلس النواب، دون غيرهم، والثاني اقامة علاقة مباشرة بين النائب والمواطن، وهذا من مستلزمات ترسيخ الديمقراطية في البلاد.
طرفان احسا بخطورة الانتخاب الفردي، وهما الاقطاعيات السياسية من جهة، والتيارات السياسية ذات الصوت الصاخب والعدد القليل من المناصرين من الذين لا يملكون املا بالفوز عن طريق الانتخاب الفردي، من جهة ثانية.
وسعى هؤلاء منذ البداية الى اجهاض فكرة الانتخاب الفردي بشتى الوسائل، واضطروا، في البداية، الى القبول بالفكرة تحت تاثير الضغط الذي شكلته التظاهرات الاحتجاجية. لكن الاختراقات التي تعرضت لها، والظواهر السلبية التي رافقتها، افقدتها قوة التأثير على النواب، الامر الذي مكنهم من تمرير فكرة تقسيم الدوائرالانتخابية بحسب الكوتا النسائية. وبهذه الخطوة كشفت الاقطاعيات السياسية عن خوفها من الانتخاب الفردي من جهة، و عدم ايمانها بالديمقراطية من جهة ثانية. وهذا يعني عدم امكانية الوثوق بالاقطاعيات السياسية لجهة العمل على اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.
وفي نفس الوقت، فان هذه هي لحظة اختبار تاريخية حاسمة للحركة الاحتجاجية، لوعيها ولتمسكها بالديمقراطية، وقدرتها على التصدي لمحاولات افشال المشروع الحضاري الديمقراطي من قبل الاقطاعيات السياسية.
لست متفائلا جدا في هذه اللحظة بامكانية نجاح الحركة الاحتجاجية في هذا الاختبار مالم تبادر هذه الحركة الى اعلان موقف صريح وحاسم من الالتفاف البرلماني على الانتخاب الفردي، والتحرك من اجل افشال هذا الالتفاف.
اضف تعليق