ان اتفاق سنجار هو اتفاق تاريخي فعلا كما وصفه الناطق باسم رئيس الوزراء احمد ملا طلال، لكنه تاريخي للحكومة الكردية التي تمثل المستفيد الأول منه، وتاريخي لأميركا وتركيا، اما الفائدة التي ستجنيها الحكومة العراقية فهي المواجهة غير المبررة مع حزب العمال الكردستاني المتطرف وقد تكون مواجهة طويلة الأمد تستنزف القدرات العراقية...
أعلنت الحكومة العراقية توقيع اتفاق مع حكومة إقليم كردستان، بشأن تطبيع الأوضاع لإعادة الأمن والاستقرار إلى قضاء سنجار المتنازع عليه بين بغداد وأربيل، ووقع الاتفاق بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ووفد من الإقليم برئاسة وزير الداخلية، ريبر أحمد.
واهم بنوده فتتعلق بالترتيبات الأمنية اذ ستوكل مهمة الأمن للشرطة المحلية بإشراف جهازي الأمن الوطني والمخابرات العراقيين، وبالتنسيق مع إقليم كردستان، والاتفاق في مجمله يصب في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: ابعاد الحشد الشعبي، ففي الاتفاق بند يتضمن اخراج "المجاميع المسلحة الرسمية وغير الرسمية" من القضاء.
وهذا البند تحديداً يشير الى حزب العمال الكردستاني في إطار تحديده للمجاميع غير الرسمية، فيما يشير الجزء الثاني منه الى الحشد الشعبي باعتباره مجاميع مسلحة رسمية تنضوي تحت الحكومة واوامر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهو ما اثار الحشد الشعبي، فقد وصفه محمد مهدي البياتي -عضو تحالف الفتح بأنه خضوع وخنوع لـ "دولة كردستان" غير المعلنة.
اما زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي فقد وصفه بانه "مجاملة سياسية".
ابعاد الحشد عن سنجار يعني ضمان السيطرة على جزء من الحدود السورية التي تمثل المعبر السهل بين العراق وسويا للفصائل الشيعية المسلحة المتحالفة مع ايران، كما يزيح بشكل ناعم الحشد الشعبي عن الحدود الشمالية للعراق تمهيدا لإعلان المنطقة الشمالية خالية من الحشد الشعبي، وهذا يضمن امن المصالح الأميركية المتركزة هناك، فالقنصلية الأميركية الأكبر موجودة في أربيل، وفي حال تنفيذ تهديد واشنطن بغلق سفارتها في بغداد فان البديل هو قنصلية أربيل، ولا يمكن ضمان امنها والحشد قريب من شمال العراق، وقد تعرضت أربيل قبل أيام الى هجمات صاروخية اتهم الحشد بتنفيذها، ما يعني ان ابعاده من هناك ضرورة امنية كردية وأميركية.
لكن ورغم الأهمية الاستراتيجية والتأثير المستقبلي للاتفاق فان رد الحشد الشعبي لم يكن بالقوة المناسبة، وهذا مرجعه لاحتمالين: الأول، ان الحشد اليوم يريد إعادة ترتيب أوراقه وهو يعرف جيدا ان هذه المرحلة هي مرحلة إعادة التموضع او قبول الخسائر المتتالية نتيجة للخطوات التصعيدية تجاهه سواء من الحكومة او من القوى السياسية الأخرى المحلية والإقليمية والدولية. والاحتمال الثاني ان هناك نية للحشد لخرق الاتفاق والبقاء في مقراته هناك لكن هذا الاحتمال غير مرجح لصعوبة مخالفة الأوامر العسكرية التي ستصدر من رئيس الوزراء الشريك الأساسي وراعي الاتفاق.
الاتجاه الثاني: ابعاد حزب العمال الكردستاني من المناطق الشمالية من العراق، وهذه النقطة تحديدا تصب في صالح إقليم كردستان والسلطة المسيطرة عليه حالياً فالعمال الكردستاني يمثل خصما لدوداً وقد أوكلت مهمة ابعاده للحكومة الاتحادية التي قد تتورط مستقبلا بصراعات دموية مع حزب العمال، ويؤكد ريبوار بابكي رئيس لجنة العلاقات في برلمان الإقليم ما نذهب اليه، اذ يقول: أن "الاتفاقية ستقضي على أحلام حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الذي يسعى إلى التمدد على حساب إقليم كردستان، لأن الاتفاقية ستنهي عسكرة مدينة سنجار وتواجد الجماعات المسلحة الخارجة على القانون سواء كانت محلية أو دخيلة كحزب العمال".
وفي الشأن العام يأتي الاتفاق لتفعيل المادة 140 المعطلة من الدستور بسبب تمدد إقليم كردستان على حساب المركز وفتح مناطق جديدة للنزاع ليضمها الى المادة انفة الذكر، وهذا ما ظهر علنيا على لسان رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الذي اعتبر الاتفاق بداية لتنفيذ المادة 140، ولكن يمكن وصف هذا التصريح بانه محاولة لإعطاء شعور بالنصر المزيف لصالح الحكومة المركزية التي خسرت في هذا الاتفاق، لان تنفيذ المادة 140 اصبح شبه مستحيل بسبب تعنت إقليم كردستان والحكومة المركزية على حد سواء، وما حدث في سنجار هو تنازل من الإقليم بسبب وجود العمال الكردستاني لا اكثر، اما المناطق الأخرى فلا مشكلة لدى الكرد فيها، وبالتالي يعتبرونها مكاسب جغرافية تاريخية يجب عدم التفريط بها وعدم طرحها للنقاش مع الحكومة المركزية.
الاتجاه الثالث: حماية المصالح الدولية، واهمها المصالح التركية والأميركية، فتركيا سوف تطمئن بعد سيطرة حكومة بغداد على سنجار، وهذا ينقل ثقل الحرب مع الكردستاني على حكومة بغداد، والثاني هو التخلص من الحشد الشعبي الذي يمكن ان يمثل تهديدا للمصالح التركية في شمال العراق، ويعيق تحركاتها، لا سيما وان هناك تهديدات مستمرة من الحشد الشعبي باستهداف الوجود التركي شمالي العراق.
وفي إطار حماية المصالح الأميركية فان الأهمية الاستراتيجية لإقليم كردستان تحتم على الولايات المتحدة الأميركية ابعاد كل ما يعكر الأجواء الأمنية الامنة هناك، فلا هجمات مفاجئة ولا صواريخ تسقط على المقرات الأميركية ولا أبراج للمراقبة، وهذا ما سيحدث بعد تنفيذ الاتفاق لإبعادها الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني دفعة واحدة.
الخلاصة ان اتفاق سنجار هو اتفاق تاريخي فعلا كما وصفه الناطق باسم رئيس الوزراء احمد ملا طلال، لكنه تاريخي للحكومة الكردية التي تمثل المستفيد الأول منه، وتاريخي لأميركا وتركيا، اما الفائدة التي ستجنيها الحكومة العراقية فهي المواجهة غير المبررة مع حزب العمال الكردستاني المتطرف وقد تكون مواجهة طويلة الأمد تستنزف القدرات العراقية.
اضف تعليق