لو كان المتحدث غير المرجعيّة الدينيّة العليا، التي اثارت اليوم في خطبة صلاة الجمعة بالصحن الحسيني الشريف في مدينة كربلاء المقدسة، كل هذه التساؤلات عن مجزرة سبايكر، لما صدّقتُ قوله ابداً، فما قالته يشير الى؛
١/ فشل الدولة العراقية في إماطة اللّثام عن كلّ ما يتعلق بالمجزرة بعد فشلها في حماية الضحايا.
٢/ فشل الجهد الاستخباري في تحقيق اي تقدم بشأن الكشف عن ملابسات الجريمة.
٣/ فشل كل اللجان الحكومية والنيابية التي تشكلت لحد الان فيما يخص المجزرة.
٤/ فشل كل جهود منظمات المجتمع المدني وكذلك جهود أُسر الضحايا والراي العام في الضغط على الدولة لتقديم المعلومات اللازمة عن الجريمة.
٥/ فشل التحالف الوطني، الذي يدّعي انّه الكتلة النيابية الأكبر تحت قبة البرلمان، في حماية حقوق ناخبيه، ليس فقط في حياتهم وانما حتّى بعد مماتهم!.
والفشل هذا يشمل؛
الكشف عن العدد الحقيقي للضحايا، والكشف عن المجرم الحقيقي الذي ارتكب هذا الفعل الشنيع، والكشف عن مصير الضحايا، احياءاً وامواتاً!.
لا خير في دولة تعجز عن حماية امواتها فضلاً عن أحياءها! ولا خير في سياسيين يعجزون عن حماية حقوق الأموات فضلاً عن الأحياء! ولا خير في سلطة تعجز عن تسمية الجلّاد والضحية!.
لقد تسابق سياسيّون كثيرون لزيارة موقع المجزرة بعد تحريره على يد القوات المسلحة البطلة مسنودة بقوّات الحشد الشعبي المجاهدة، لالتقاط الصّور والافلام و(جمع أعقاب الرصاص الفارغ) على حد وصف احد المواطنين، ولكن لم يأتِ لنا أيّاً منهم بمعلومةٍ تجيب على تساؤلات الشارع العراقي فيما يخص الضحايا وعددهم وجثثهم واماكنهم وغير ذلك.
هل يُعقل ان الدولة العراقية وبكل مؤسساتها عاجزة عن التحقيق في المجزرة؟ اين اذن الأجهزة الاستخبارية؟ اين جهد وزارة حقوق الانسان التي باعت لنا كلاماً معسولاً منذ تحرير سبايكر وما تمّ الكشف عنه لعدد من المقابر الجماعية، ولحد الان من دون ان تقدّم لنا جواباً عن ايٍّ من الأسئلة التي طرحتها اليوم المرجعية الدينية العليا؟ ما الذي فعله السياسيون الذين حضروا لموقع الجريمة بحماياتهم وأسلحتهم وكاميراتهم واعلامهم، غير توثيق زياراتهم لتوظيفها في أقرب انتخابات نيابية، لاستعراض بطولاتهم الخاوية وحضورهم المضلّل الذي فشل في توثيق ايّة معلومة حقيقيّة تخصّ المجزرة وتفاصيلها؟!.
اوليس من الاولى ان يتعاون السياسيون لتوثيق الجريمة وكل ما يتعلق بها، من ان يوثّقوا زياراتهم البائسة؟!.
ما الذي اضافت زياراتهم تلك الا المزيد من هدر المال العام والذي تُعتبر أسر الضحايا أولى به من اي مسؤول في الدولة؟؟.
والغريب ان بعض هؤلاء (الزعماء) ابطال الشاشة الصغيرة ومواقع الانترنيت والتواصل الاجتماعي، لم يبدوا فقط عجزاً في الكشف عن حقائق المجزرة، وانما اتّهم بعضهم أسر الضحايا بانها مدفوعة من جهات خارجية! كلّما سمعوا أُمّاً تطالبهم بابنِها او أختاً تطالبهم بأخيها او زوجةً تطالبهم بزوجها او طفلاً يطالبهم بأبيه، كما بدر ذلك من المتهم الاول بمجزرة سبايكر، القائد العام السابق للقوات المسلحة، خلال زيارته الاخيرة لمدينة كربلاء المقدسة، متهماً احدى امّهات الضحايا بالعمالة لجهات اجنبية عندما امسكته من رقبته وجرّته الى الارض، طالبةً مِنْهُ إخبارها عن مصير ابنها في مجزرة سبايكر!.
ان الدولة التي تعجز عن الكشف عن مصير ابناءها بعد مرور عام على الجريمة، كيف تريد ان تقنعنا بانها قادرة على حماية الشعب من تكرار مثل هذه المجزرة؟!.
اما اذا كان يظنّ البعض ان السكوت على الجريمة وطمس آثارها وتفاصيلها ومعالمها هو ثمن الحفاظ على اللحمة الوطنية وهو ثمن المصالحة الوطنية الذي يجب ان يدفعه الضحايا لحماية العراق وشعبه، فانهم مجرمون بامتياز.
ان المصالحة تعني العدالة حصراً، والاخيرة لا تتحقّق اذا لم يتم تسمية المجرم وتحديد هوية الضحية، وان مصالحة ثمنها السكوت على المجازر وتضييع الحقوق والدماء، لهي جريمة وطنية بعناوين مختلفة.
لماذا نعتبر سكوت ضحايا مجزرة سبايكر ثمن المصالحة الوطنية فقط دون سواها؟ لماذا لا يكون سكوت الآخرين على جريمة زعموا انها حصلت بسرقة ثلّاجة من بيت مجهول في صلاح الدين، ثمن المصالحة المزعومة كذلك؟!.
لماذا لا يكون سكوتهم عن نشر الشائعات والاكاذيب والتضليل الاعلامي ثمن المصالحة؟!.
لماذا يفرضون الصّمت والسّكوت على الضحايا فقط، فيما يملأ الجلّادون الفضاء اكاذيب وشائعات وتهم وافتراءات وتضليل؟!.
اذا فشلت الدولة العراقية، بكلّ مؤسساتها، في إماطة اللثام عن كل التفاصيل المتعلقة بمجزرة سبايكر، فستتحرّك أسر الضحايا بنفسها، مدعومة بتساؤلات المرجعية اليوم، لتحقيق هذا الامر بعيداً عن الدولة ومؤسساتها، وهي قادرة على إنجاز ما فشلت عنه الدولة، بكلّ تأكيد.
اضف تعليق