q
أصبح الفرد الإيراني واللبناني يعيش حالة فقر نسبية، وأخذت هذه الظاهرة تزداد ارتفاعا يوما بعد آخر متجهة نحو الانهيار الداخلي، وهو الأمر الذي تريد الولايات المتحدة حصوله في الدول التي رفضت الخضوع لسياستها السلطوية، والدخول تحت عباءتها الى جانب اغلب دول العالم التي لم تتمكن من مواجهة التعنت الامريكي...

قبل أعوام قليلة كنت اتمنى الذهاب بسفرة سياحية الى لبنان، حيث شارع الحمرا في بيروت ومغارة جعيته التي كثيرا ما تغنى السائحين بجمالها الساحر، وما تمثله من لوحة فنية صُنعت بايدي ربانية لا دخل للإنسان فيها، أمر جعلها محط أنظار الأعم الأغلب ممن يقصدون باريس الشرق.

اما الآن فتحقيق الأمنية اصبح قاب قوسين او ادنى؛ ليس لتحسن أوضاعي المادية، بل لما تعيشه لبنان في الوقت الحاضر من ظروف حرجة للغاية، بسبب بعض السياسيات الخاطئة التي اتبعها من بيدهم مقاليد السلطة ويتحكمون بالمال والشعب منذ عقود، مع إهمال واضح لوضع خطط اقتصادية نهضوية بهذا القطاع الذي يعد عصب الحياة بالنسبة لبلد مثل لبنان محدود المصادر.

من انعكاسات الوضع اللبناني الحالي هو تراجع سعر العملة المحلية الى اكثر من ثمان اضعاف، ما يعني انها تمر بأسوء حالتها، الى جانب حالة العوز التي يعيشها المواطن المغلوب على أمره، ولا يعلم اي الطرق يتبع للنجاة من هذه الأزمة المدمرة.

فالأزمة الحالية وليدة تراكمات كثيرة ولها أسباب لا يمكن حصرها في مقال لا يتجاوز سطور معدودة، ولعل من اهم الأسباب التي أدت الى وقوع ذلك هو الابتعاد عن الراعية الرسمية لجميع سياسات الدول امريكا، اذ تؤدي الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ عقود دور الأب الذي يتصف بالشدة في التعامل مع ابناءه، فلا يستطيع احد ان يتخلف قليلا عن آراء الأب الصارم، وبالتالي فان الذي يرفض هذه المعاملة القاسية يتحمل التبعات، وغالبا ما تكون وخيمة.

اللعب على وتر الاقتصاد هو ما تجيده حكومة البيت الأبيض فهي ماهرة في إتقان فنون اللعبة، وتعرف ايضا قواعدها وتحاول مليا الاستفادة من هذه النقطة لصالحها، ولم يأتي ذلك من فراغ مطلقا، بل جاء لتحكمها بالاقتصاد العالمي، وسيطرتها على مفاصله كافة.

فالعراق قبل لبنان مر بهذه التجربة المريرة ودفع الثمن اضعاف مضاعفة، اذ فرض عليه الحصار الاقتصادي وأصبح الفرد يحمل هم قوت يومه وتأمين متطلبات حياته وأفراد أسرته، حتى وصل به الحال الى بيع أدواته المنزلية لتوفير لقمة العيش بعيدا كل البعد عن الترف وزينة الحياة التي أوجدها الله والطيبات من الرزق.

هذا الحال جعل المواطن العراقي يعيش ايام قاتمه لا يعرف اين تتجه به البوصلة، واين سيستقر به الحال، وقد أدت هذه الظروف الى ان تتولد حالة من التذمر على الصعيد الوطني، وأخذ الشعب ينشد الحرية والعيش بكرامة، وبذلك صار الجميع يحاول التخلص من قبضة النظام القائم ويساعد كل من يحاول تقديم هذه الخدمة.

وهذا بالفعل الذي حصل عندما دخلت قوات التحالف العراق عام 2003 لم تصطدم بأي مقاومة شعبية سوى المناطق التي تعد مسقط رأس النظام السابق، ومنها ايضا معظم قيادات البلد، وهنا تكون الولايات المتحدة نجحت بنسبة كبيرة في تحقيق غايتها في العراق وهي الاحتلال دون خسائر بشرية كبيرة.

ذات التجربة يجري الآن تطبيقها مع ايران ولبنان على حد سواء، فالولايات المتحدة تراهن على تجويع الشعوب وإخلاء جيوبهم من قوت يومهم، ذلك لخلق حالة من اليأس وردة فعل معاكسة من قبل الجماهير الداخلية التي لا تدرك حجم المخطط ومن يقف وراءه.

بوادر نجاح المشروع الامريكي بدأت تبرز للعيان، وأصبح الفرد الإيراني واللبناني يعيش حالة فقر نسبية، وأخذت هذه الظاهرة تزداد ارتفاعا يوما بعد آخر متجهة نحو الانهيار الداخلي، وهو الأمر الذي تريد الولايات المتحدة حصوله في الدول التي رفضت الخضوع لسياستها السلطوية، والدخول تحت عباءتها الى جانب اغلب دول العالم التي لم تتمكن من مواجهة التعنت الامريكي.

ولا ننتظر سوى بضعة سنوات حتى نرى حدوث السيناريوهات المرسومة من قبل امريكا على ارض الواقع في بلاد الرافدين، ومن ابرز الشواهد على حصول ذلك هو لهاث الأفراد وراء الحصول على الأموال التي تؤمن حاجتهم فلم يجدوا مخرجا لذلك، ما يولد في نفوسهم حالة من الذعر لما سيحل بهم في قادم الايام.

هذا الخطر الذي يحدق بالبلد الجار ايران ولبنان الذي تربطه به علاقات عميقة، لا يمكن ان يتوقف عند ذلك الحد، فمن الممكن ان يطال العراق وليس بالأمد البعيد اذا تم التعامل مع الحكومة الأمريكية بهذه الصورة التي يعمل بها رؤساء الكتل السياسية الحاكمة في العراق، ولا نستغرب اذا ما لاحظنا تراجعا نسبيا بقيمة الدينار العراقي مثلما تمر به الليرة اللبنانية في الوقت الحاضر.

على المتمسكين بزمام الامور في العراق وغيره من الدول التي تمر بالضائقة المالية ان يحسنوا التصرف مع مصادر القوى العالمية؛ ذلك لضمان استقرارها الداخلي من الناحية المالية، وعدم اضطرارها لمناشدة المجتمع الدولي لمد يد العون لها، وانتشالها من مستنقع الحاجة المفرطة.

اضف تعليق