وتعد ورقة المفاوضات بين الفصائل الأفغانية فرصة مهمة للرئيس ترامب وكسب المزيد من الأصوات الإنتخابية لاسيما بعد إنخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي العام مؤخراً، وبالتالي تُشكل تلك المفاوضات ورقة رابحة لترامب قد تزيد من حظوظه في تجديد انتخابه لولاية ثانية. وتبرز في هذه المفاوضات عدة...
تعقد في العاصمة القطرية الدوحة، مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان للتوصل لإتفاق سلام تأريخي بينهما، وسط حضور إقليمي ودولي واسع، ومن بين الشخصيات التي حضرت في تلك المفاوضات، رئيس هيئة المصالحة الأفغانية عبد الله عبد الله، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو فضلاً عن المبعوث الأمريكي للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زادة.
وتأتي تلك المفاوضات من أجل السلام في أفغانستان بعد تأجيلها لمدة تقرب عن ستة أشهر بعد خلافات بين الفرقاء الأفغان حول مسألة تبادل سجناء بين الجانبين، مما تسبب في إثارة جدل كبير في الأوساط الأفغانية، وهذه المفاوضات هي المرحلة الثانية من المشروع الأمريكي لإحلال السلام في أفغانستان، إذ بدأت المفاوضات في ٢٩ شباط ٢٠٢٠ وذلك بعد توقيع إتفاقية السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، وتأتي المحاولات الأمريكية للخروج بشكل سلمي من أفغانستان بعد الغزو لها من قبل الأمريكان بعد أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١، وتسبب الغزو الأمريكي بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وهذا ما سبب ضغطاً كبيراً على الإدارات الأمريكية المتعاقبة (بوش الابن، أوباما، ترامب) للخروج من المستنقع الأفغاني، لاسيما بعد إنتخاب ترامب للرئاسة في عام ٢٠١٧ ووعوده للشعب الأمريكي بالانسحاب من بؤر التوتر في أفغانستان والعراق.
وتعد ورقة المفاوضات بين الفصائل الأفغانية فرصة مهمة للرئيس ترامب وكسب المزيد من الأصوات الإنتخابية لاسيما بعد إنخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي العام مؤخراً، وبالتالي تُشكل تلك المفاوضات ورقة رابحة لترامب قد تزيد من حظوظه في تجديد انتخابه لولاية ثانية.
وتبرز في هذه المفاوضات عدة إشكاليات تعد محور الخلاف بينهما حول مسألة وقف إطلاق النار وشكل نظام الحكم المستقبلي في البلاد وإقرار بعض الحريات على مستوى حقوق الإنسان وبالخصوص النساء، إذ تثير مسألة إقرار الهدنة الدائمة التي تسعى إليها الولايات المتحدة مع حركة طالبان نقطة خلاف جوهرية؛ وذلك بسبب أن حركة طالبان تركز على وقف إطلاق النار بين الجانبين للتوصل لاتفاق سلام شامل، بعد أن أوقعت الهجمات التي كانت تشنها حركة طالبان على القوات الأمريكية الخسائر الجسيمة فيها، فقد أسفرت هجمات طالبان عن آلاف الضحايا وتسببت بتشريد الملايين من المواطنين الأفغان، وربما ستكون تلك الاتفاقية التي تسعى إلى إتمامها الولايات المتحدة الأمريكية للخروج الآمن من أفغانستان وليس كما هو معلن باتفاق أطراف النزاع الأفغاني والتوصل لحل شامل مقبول من قبلها.
وتثير نقطة أخرى الخلاف بين مواقف المتفاوضين بشأن آلية شكل النظام بعد توقيع إتفاقية السلام، فهناك تباين في مواقف الفرقاء الأفغان بخصوص النظام السياسي، فحركة طالبان وعلى لسان مسؤوليها تسعى إلى جعل نظام الحكم في أفغانستان يعتمد بشكل أساس على الشريعة الإسلامية وتطبيق نصوصه وخصوصاً فيما يخص الحريات ووضع النساء فيه، على العكس من حكومة أشرف غني الرئيس الأفغاني الحالي الذي يرى في دعم الغرب لبلاده أساساً للرؤية المستقبلية لشكل نظام الحكم في أفغانستان، إذ يسعى غني إلى بذل المزيد من الجهود لبقاء النظام بشكله الحالي كونه قد أعطى حقوقاً للشعب الأفغاني والمزيد من الحريات وبالخصوص لفئة النساء.
ويمكن القول، بأن أحداث ١١ أيلول لم تغادر تفكير الساسة الأمريكان، فقد كان هذا اليوم نقطة تحول في مسار العلاقات الدولية وبداية مرحلة جديدة، اعتمدت فيها الولايات المتحدة سياسة من لم يكن معي فهو ضدي، فشنت الحروب التي بدأتها بغزو أفغانستان وتلاها غزو العراق ٢٠٠٣ وما أعقبها من أحداث جرت في المنطقة، ليكون هذا الحدث فاصلاً بين تأريخين سيذكره العالم كله وليس الأمريكان فقط، وتأتي دلالة عقد المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في نفس يوم ١١ أيلول ولكن مع فارق زمني يمتد لتسعة عشر سنة من بداية الحدث الذي غير وجه العالم ككل.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وقعت اتفاقا تأريخيا مع حركة طالبان في شباط الماضي تضمن عدد من التفاهمات المستقبلية بين الطرفين، فالولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي تبدأ انسحابا في مدة زمنية لا تتعدى ١٤ شهراً من تأريخ توقيع الإتفاق، بالمقابل تعهدت حركة طالبان بعدم شن الهجمات على تلك القوات وعدم السماح للقاعدة أو أي جماعة إرهابية أخرى بالعمل ضمن مناطق نفوذها، مع رفع عقوبات فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة على حركة طالبان، فضلاً عن خفض عدد القوات في أفغانستان من ١٢ ألف مقاتل إلى ٨٦٠٠ مقاتل مع غلق عدد من القواعد العسكرية في أفغانستان.
ولم تشارك الحكومة الأفغانية في هذا الإتفاق الثنائي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ولكنها بدأت حوارات مع الحركة في شهر آذار الماضي، ولكن خلافاً قد وقع بين الطرفين حول عملية تبادل أسرى الجانبين قد أخرت عملية المفاوضات بينهما، إذ كان من المفترض أن تتم عملية تبادل نحو ٥٠٠٠ أسير لدى الحكومة الأفغانية بـ١٠٠٠ عنصر أمن لدى حركة طالبان، وكانت الحركة تريد إطلاق سراح بعض عناصرها من القادة فيها المتورطين بشن هجمات كبيرة على مقرات الحكومة الأفغانية، بينما ردت الحكومة على هذا الطلب من الحركة بأنها لن تطلق سراح من اتهم بقتل الشعب الأفغاني، وعليه فقد تأجلت تلك المفاوضات لمدة تقرب من ستة أشهر من تأريخ الإتفاق بينهما، ولكن في شهر آب تم الإتفاق على إطلاق سراح ٤٠٠ أسير لدى الحكومة الأفغانية بموافقة البرلمان الأفغاني على تلك الخطوة والتي أسهمت بشكل فاعل في تحريك الموقف التفاوضي بين الطرفين.
ويمكن أن نتوصل إلى أبرز النتائج المتوقعة من عملية المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان:
1- تعد تلك المفاوضات فرصة يجب استثمارها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وذلك لقرب الإنتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني ٢٠٢٠ وبالتالي تزايد حظوظه في التجديد لولاية ثانية.
2- يعول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توقيع اتفاق سلام شامل ينهي ١٩ سنة من القتال في أفغانستان وهو بذلك يفي بأحد وعوده التي على أساسها قد تمت عملية انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك ينهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة تأريخيا، إذ خسرت فيها آلاف الجنود فضلاً عن الاستنزاف في الموارد البشرية والمادية.
3- إن تلك المفاوضات ستكون مقدمة لسلام مستدام في أفغانستان الغارقة في حرب امتدت لأكثر من أربعة عقود منذ الإحتلال السوفيتي لكابول وما تلاه وصولاً إلى المرحلة الحالية.
4- ستطرح في المفاوضات بين الجانبين الحكومي الأفغاني وحركة طالبان الرؤية المستقبلية لإدارة الدولة بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، إذ أن تصريحات الرئيس دونالد ترامب تذهب في هذا الإتجاه، فقد صرح بأنه إذا تم الإتفاق بين الطرفين فإن ذلك يعني نهاية الحرب وعودة القوات الأمريكية إلى وطنها.
اضف تعليق