الإنسان المسلم اليوم، بحاجة إلى رؤية دينية تؤهله للعيش على قاعدة التزامه الديني في العصر. بحيث لا تكون حركة انخراطه في العصر ابتعادا عن التزامه الديني، كما لا تكون حركة التزامه الديني انزواءا وانطواءا عن حركة العصر بكل زخمها العلمي والتقني والحضاري. وهذا بطبيعة لا يتأتى...
على المستوى المنهجي والمعياري، ثمة نظريات وأفكار عديدة حول آليات التجديد في الفكر الديني وطرق وصل الدين بوصفه منهج حياة بالعصر.. ولكن جميع هذه الأفكار والنظريات تتفق أن ثمة حاجة ذاتية وموضوعية لوصل الدين بالعصر، والعصر بالدين.. وإن هناك عوامل وحاجت عديدة في الاجتماع الإسلامي المعاصر سواء على مستوى الأفراد وحاجاته المتعددة، أو على مستوى المجتمعات الإسلامية وأنماط حياتها المعاصرة ونظام علائقها الداخلية والخارجية، كل هذه العوامل تدفع باتجاه ضرورة تفعيل حركة الاجتهاد والتجديد في الفهم الديني وذلك حتى يتسنى للإنسان المسلم المعاصر، أن يعيش دينه عبر الالتزام بقيمه وتشريعاته، كما يعيش عصره وراهنه بدون عقد أو انزواء عن متطلباته الضرورية..
لهذا فإن الإنسان المسلم اليوم، بحاجة إلى رؤية دينية تؤهله للعيش على قاعدة التزامه الديني في العصر.. بحيث لا تكون حركة انخراطه في العصر ابتعادا عن التزامه الديني، كما لا تكون حركة التزامه الديني انزواءا وانطواءا عن حركة العصر بكل زخمها العلمي والتقني والحضاري..
وهذا بطبيعة لا يتأتى إلا بتأسيس حركة اجتهادية وتجديدية في الرؤى والأفهام الدينية، بحيث يتم تجاوز كل الأنماط التفسيرية لقيم الدين التي تساهم في إبعاد الإنسان عن التزامه العميق والحضاري بقيم الدين وتشريعاته المتعددة..
وحينما ندرك أهمية الاجتهاد والتجديد الإسلامي المعاصر، ندرك في ذات الوقت أهمية وضرورة أن نبقى مسلمين فكرا ومنهجا وطريقة حياة..
فالتجديد ليس نافذة للتهرب من الالتزام بقيم الدين، وإنما هو طوق نجاة لكي تتمكن عملية الاجتهاد من توفير إجابات إسلامية أصيلة على مستجدات العصر وتطوراته المتلاحقة..
وإن الدين بقيمه ومعارفه المتنوعة، ليس صندوقا مغلقا، وإنما هو فضاء مفتوح، بحيث يتحمل الناس بكل فئاتهم ومستوياتهم مشروع حمل وفهم وتطبيق قيم الدين.
والمعارف الدينية لا يمكن أن تتطور، بدون تطور واقع الناس والمجتمع.
لذلك فإن الجهود الفكرية والسياسية والاقتصادية والإبداعية، التي تستهدف ترقية المجتمع، وتطور وقائعه المختلفة، لها الدور الأساسي في تطوير وعي الناس بقيمهم الدينية والثقافية. بمعنى أن هناك علاقة سببية بين تطور واقع الناس والمجتمع، وتطور رؤيتهم ومعارفهم الدينية.
وعديدة هي المقاربات التي تستهدف فهم الدين وقيمه وشعائره وشعاراته. ولكن السائد في مجتمعنا ولدى فئات عديدة منه، المقاربة الفقهية، التي لا تتعدى فهم الفتوى الشرعية على الموضوع الخارجي المتعلق دائما بحركة الفرد في المجتمع.
وفي تقديرنا أن سيادة المسار الواحد في فهم قيم الدين ومعارفه، لا يؤدي بنا إلى اكتشاف كنوز الدين الإسلامي وثراءه المعرفي. لهذا فإننا بحاجة إلى الانفتاح والتواصل مع كل المسارات والمقاربات الفقهية والفلسفية والعرفانية والمقاصدية والشاملة، التي تستهدف فهم الدين وتظهير معارفه الأساسية..
وإن قيم الدين ومعارفه الأساسية، هي منظومة متفاعلة مع قضايا الواقع والعصر. وأية محاولة لبناء الحواجز والعوازل بين قيم الدين وحركة الواقع، ستنعكس سلبا على فهمنا وإدراكنا لمعارف الدين وقيمه الأساسية. لهذا فإننا نعتقد أن عملية التفاعل والتواصل بين قيم الدين والواقع بكل حمولاته وأطواره وتحولاته، يؤدي إلى تطور وإنضاج الرؤى والمعارف الدينية.. لهذا نجد باستمرار تحولات على مستوى الأحكام الشرعية والمعارف الدينية بتغيرات الزمان والمكان.
لهذا فإننا نستهدف باستمرار خلق التفاعل بين المعرفة الدينية وحركة الواقع، وإدراك مقتضيات الزمان والمكان، لأنها من المداخل الأساسية لفهم قيم الدين ورصد عملية التطور في المعارف الدينية، انطلاقا من تحولات الزمان والمكان.
ومن يبحث عن تطور المعارف الدينية، بعيدا عن حركة الواقع والتفاعل مع مقتضياته، فإنه لن يجني إلا الضحالة المعرفية والبعد الجوهري عن معارف الدين ومقاصده الأساسية.
ومن خلال التفاعل والتواصل مع حركة الواقع والعصر، نتمكن من إضفاء قيمة دينية على الأعمال والأنشطة والمبادرات الخاصة والعامة، التي تستهدف رقي وتقدم الأفراد والجماعات.
فالقيم الدينية ليست خاصة بعبادة الأفراد، وإنما تتسع للكثير من الأنشطة والمبادرات السياسية والثقافية والإبداعية والاجتماعية والاقتصادية، التي تساهم في تطور المجتمعات، ونقلها من مستوى إلى مستوى آخر أكثر تقدما وعدالة وحرية.
لهذا فإننا بحاجة باستمرار إلى تظهير القيم الدينية، التي تستوعب أنشطة الإنسان الجديدة. فلا فصل بين قيم الدين وحركة الإنسان والمجتمع، وكلما عملنا من أجل تظهير قيم الدين ومعارفه، القادرة على استيعاب وتسويغ أنشطة الإنسان الجديدة والهادفة إلى الرقي والتقدم، ساهمنا في تطوير وعي الناس بقيم الدين، وفتحنا الباب واسعا تجاه تطور معارف الدين الأساسية.
ومن الضروري في هذا السياق أيضا تظهير العلاقة العميقة بين عملية التجديد الديني والثقافي ومشروع الإصلاح الاجتماعي. فلا يمكن أن يتحقق مشروع الإصلاح الاجتماعي في مجتمعنا ووطننا، بدون إطلاق عملية التجديد الديني والثقافي.
لأن هناك الكثير من العقبات الموجودة في فضائنا وبيئتنا الثقافية والاجتماعية، لا يمكن تجاوزها بدون الانخراط في مشروع التجديد الديني والثقافي. فتجدد المعرفة الدينية في أي مجتمع، هو رهن بحضور المجتمع وتفاعله مع واقعه. المعرفة الدينية لا تتجدد وهي حبيسة الجدران، وإنما تتجدد حينما تستجيب إلى حاجات المجتمع، وتتفاعل مع همومه وشؤونه المختلفة.
اضف تعليق