q
التعددية المفرطة في الاحزاب العراقية احدى عيوب التأسيس التي رافقت العملية السياسية منذ انطلاقتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري البعثي المتخلف في عام ٢٠٠٣، واعني بالتعددية المفرطة كثرة الاحزاب السياسية التي لا توجد ضرورة واقعية لوجودها، فبعد ان انقسم المجتمع السياسي العراقي بصورة عمودية وفق الخطوط العرقية والطائفية...

التعددية المفرطة في الاحزاب العراقية احدى عيوب التأسيس التي رافقت العملية السياسية منذ انطلاقتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري البعثي المتخلف في عام ٢٠٠٣. واعني بالتعددية المفرطة كثرة الاحزاب السياسية التي لا توجد ضرورة واقعية لوجودها. فبعد ان انقسم المجتمع السياسي العراقي بصورة عمودية وفق الخطوط العرقية والطائفية الى مكون شيعي واخر سني وثالث كردي، سرت رياح الانقسام الى داخل كل مكون على شكل احزاب متنافسة ومتصارعة تجاوز عدد المسجل منها لدى مفوضية الانتخابات ٢٠٠ حزبا سياسيا. صحيح ان الحياة السياسية الديمقراطية السليمة لا يمكن ان تتحقق دون وجود احزاب سياسية، الى ان هذه الكثرة غير الطبيعية في عدد الاحزاب كان من اسباب اجهاض التجربة الديمقراطية وحرفها عن مسارها الطبيعي لتنتهي الى عدد قليل من امراء السياسة الذين يتحكمون بالمشهد السياسي بدون ضوابط ديمقراطية او دستورية. وكان من النتائج المباشرة لكثرة الاحزاب السياسية تعذر بروز حزبٍ عابر للمكونات يستطيع ان يحقق اغلبية برلمانية مريحة، يقابله حزب اخر كبير عابر للمكونات يشكل معارضة برلمانية فاعلة.

وحينما خرجت التظاهرات الاحتجاجية في الاول من اكتوبر العام الماضي كنت في مقدمة من اكدوا على ضرورة ان تسير هذه التظاهرات في طريق تحقيق الاصلاح السياسي الضروري والجذري. وقد كتبت الكثير من المقالات في هذا السياق.

وطرحتُ في جملة النقاط الاصلاحية للنظام السياسي فكرة تقليل عدد الاحزاب السياسية عن طريق قانون جديد للاحزاب يكون من مخرجاته عدد قليل من الاحزاب. وتصورت ان الخريطة السياسية ستكون على شكل حزبين سياسيين كبيرين بفارق نسبي وحزب متوسط وحزب صغير ضمن احتمالات كثيرة ليس مفيدا الخوض بها الان.

واذا كانت احزاب السلطة فشلت في تشكيل حزب كبير عابر للمكونات يمسك بالسلطة بطريقة ديمقراطية فان تشتتها ادى بها الى فقدان السلطة تدريجيا عبر انقلاب سياسي ناعم شكل مصطفى الكاظمي اداته التنفيذية المعلنة، رغم انني كنت امل ان تستطيع الحركة الاصلاحية ان تشكل حزبا سياسيا كبيرا يعيد رسم الخارطة السياسية بشكل اكثر نضوجا من الناحية الديمقراطية، لكن المؤشرات الاولية لا تبشر بامكانية تحقيق ذلك حتى الان حيث يبدو ان الساحة الاحتجاجية تسير في طريق اعادة انتاج ظاهرة التعددية المفرطة على الطرف الاخر من المجتمع السياسي (افترض ان الطرف الاول هو احزاب السلطة)، حيث اخذت هذه الساحة تفرز العديد من العناوين يجري تسجيلها الان في المفوضية العليا للانتخابات، استعدادا للانتخابات المبكرة المزمع اجراؤها في وقت لاحق من السنة القادمة. وهذا يعني ان الطرفين (احزاب السلطة، والجماعات الاحتجاجية) تشترك في ارتكاب نفس العيب التأسيسي وهو عدم القدرة على العمل الجماعي وعدم القدرة على تشكيل احزاب انتخابية كبيرة، ما يعني ان الانتخابات القادمة. باية طريقة اجريت، ستؤول الى مزيد من الانقسام والتشتت في المجتمع السياسي، الحاكم والمحتج، والفشل في تشكيل اغلبية برلمانية تستطيع ان تقود عملية الاصلاح السياسي باتجاه دولة ديمقراطية حضارية حديثة.

اذا جاز لي ان اقدم نصيحة ما للطرفين، فانني اقول لهما ان افضل من يمكن ان يقدماه للعراق هو العمل على توحيد صفوف كل طرف منهما، طرف السلطة وطرف المعارضة، وتشكيل حزبين كبيرين جامعين، يتنافسان على الحكم بطريقة ديمقراطية حضارية، ليكون تولي السلطة هو الجائزة التي يفوز بها من يحقق الاغلبية المطلقة في البرلمان القادم. رغم علمي ان الفرصة لاتباع هذه النصيحة ضئيلة جدا، بسبب تدني الوعي الوطني الديمقراطي للطرفين، الا انني اخشى ان تكون هذه هي الفرصة الوحيدة المتبقية امام المجتمع السياسي العراقي لاعادة تشكيل نفسه بطريقة صحية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق