q
ان تحقيق اية اهداف نبيلة يعتمد على قدرة الناس حول تلك الاتفاق عيها، والتطلع الى تحقيقها عبر التضامن بينهم بحيث يصبح هذا الاتفاق اكثر من مجرد اتفاق لفظي وانما يجب ان يتجسد بشكل يومي في حياة الرجال والنساء العاديين، كما قال هارولد لاسكي...

الدولة الحضارية الحديثة ليست هدفا خاصا بمجموعة دون اخرى، كما انها ليست هدفا يضعه طرف ما انطلاقا من عقيدة خاصة به، انما هي تجسيد وتعبير عن توجه حضاري عام. فمنذ اعلن الله استخلاف النوع البشري في الارض، قبل الاف السنين والانسان يسعى الى تحسين ظروف حياته والارتقاء بوجوده لتحقيق الرفاهية والرخاء والسعادة. وهذه سنة تاريخية يجسدها كل مجتمع بحسب وعيه الحضاري وقدرته على الابداع والتطوير، فاذا تخلف مجتمع ما عن هذه الدور، انتقل الاتجاه التاريخي الى مجتمع اخر ليواصل المسيرة البشرية نحو التكامل. فاذا كانت الحضارة نشأت في بلاد وادي الرافدين، فانها ما لبثت ان انتقلت الى بلاد الاغريق، ثم عادت الى بلاد الرافدين مرة اخرى، لتعود الى اوروبا، ومنها الى القارة الاميركية الشمالية. في هذه الاثناء كان العقل البشري يبتدع حضارات اخرى في الصين واليابان والهند وغيرها من بلاد المعمورة.

وهكذا كان التاريخ البشري عبارة عن حلقات متصلة عموديا في الزمان، ومنتشرة افقيا في المكان، متتابعة بصورة تكاملية، طبقا على طبق.

وقد حققت المجتمعات البشرية المختلفة درجات متباينة في السلم الحضاري. وظهرت على المسرح الدولي العديد من الدول التي تحتل مواقع متفاوتة في السلم المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة.

وفي مطلع القرن الحادي والعشرين تمكنت البشرية من الاتفاق على خطوط عريضة لهذا الحرام الحضاري، اضحت تمثل الاهداف البشرية العامة والمشتركة في مجري الاتجاه التاريخي العام الذي أطلقنا عليه اسم الدولة الحضارية الحديثة.

ففي 25 أيلول 2015، اعتمدت البلدان ال 193 في الجمعية العامة للأمم المتحدة جدول أعمال التنمية لعام 2030 المعنون "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030". ويتضمن جدول الأعمال هذا 92 فقرة. وتحدد الفقرة 51 أهداف التنمية المستدامة ال 17 وما يرتبط بها من 169 غاية. وهذا يعني ان البشرية اتفقت اخيرا على وضع اقدامها على الطريق المشترك الموصل الى الدولة الحضارية الحديثة بحلول عام ٢٠٣٠.

وعلى المجتمع العراقي الذي هو جزء من المجتمع البشري العالمي الذي قرر السير في هذا الطريق ان لا يتخلف عن الانخراط في المسيرة البشرية نحو الدولة الحضارية الحديثة.

ويعني انجاز هذه الاهداف وصول البشرية الى درجة متقدمة من التجسيد العملي والواقعي لفكرة الدولة الحضارية الحديثة التي سوف يتم في اطارها أفضل تفاعل بين عناصر المركب الحضاري في إطار القيم العليا الحافة به.

وتتضمن قائمة الاهداف المجمع عليها من قبل المجتمع البشري: القضاء على الفقر والجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة وضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار وضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع وتحقيق المساواة بين الجنسين وضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي والطاقة الحديثة للجميع و تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل وتوفير العمل اللائق و إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل، وتشجيع الابتكار و الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها وضمان الامن وحماية البيئة و تشجيع إقامة مجتمعات سلمية وشاملة للجميع من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير إمكانية الوصول إلى العدالة وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة على جميع المستويات واخيرا إحياء الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة.

ان تحقيق اية اهداف نبيلة يعتمد على قدرة الناس حول تلك الاتفاق عيها، والتطلع الى تحقيقها عبر التضامن بينهم بحيث يصبح هذا الاتفاق "اكثر من مجرد اتفاق لفظي وانما يجب ان يتجسد بشكل يومي في حياة الرجال والنساء العاديين"، كما قال هارولد لاسكي.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق