q
العالم اليوم بجميع اشكاله يتحول الى سلعة، فالنظام الديمقراطي سلعة، مرة توزع على انها دواء لعلاج الدول المخالفة من اجل تغيير أنظمتها، ومرة تؤجل لان الدولة التي يحكمها دكتاتور متحالف من الديمقراطيات الغربية، وكل شيء دون الديمقراطية وحرية الانسان هو سلعة او سلاح يتم اشهاره بوجه المخالفين...

تعتمد الأنظمة الديمقراطية في الوقت الراهن سياسة خارجية قائمة على تفضيل مصالحها الخارجية على كل شيء اخر، فالمصلحة الوطنية هي المعيار في تحديد السلوك، بغض النظر عن كونه يتسبب في إيذاء الاخرين ام لا، وما قد ينتج عنه من أخطاء تؤدي الى تفاقم المشكلات العالمية، فبما ان السلوك السياسي الخارجي يؤدي الى فوائد محلية فهو صحيح، وإذا لم يخدم المصالح الوطنية فهو غير صحيح حتى وان انطلق من جوهر النظام الديمقراطي القائم على الحقوق والحريات واحترام الاخرين.

هذه النظرية تسمى بالنظرية الواقعية التي تتعامل مع العالم على انه جزيرة تحكمها الفوضى. والصراعات هي التي تحدد حقوق الفاعلين فيها، لذلك تعمل الدول على تعظيم قوتها الاقتصادية والعسكرية من اجل مواجهة التحديات في هكذا عالم، وفي طريق تعظيم الموارد تواجهها عقبات أخلاقية وتناقضات مع جوهر حقوق الانسان لكنها تسحقها بحجة تحقيق المصلحة الوطنية، من بينها التحالف مع دول أخرى قد تكون من اشد الأعداء لمبادئها القائمة على الديمقراطية، بعض الدول قد تنتهك حقوق الانسان، والأخرى قد تعتدي على غيرها، لكن هذا غير مهم، ما دامت تحقق مصالح للدول المتحالفة.

في السياسة الواقعية للدول العظمى تستطيع الدول تدمير دول أخرى ضعيفة لانها تقف عقبة بوجه طموحاتها في تحقيق القوة والعظمة، وتستطيع الدول العظمى أيضا التحالف مع جماعات محلية من اجل تدمير الدولة من الداخل وبما يسمح لها بالتدخل وتدمير الدولة وتاجيل نهضتها الى امد طويل.

ولأنها دول ديمقراطية فهي بحاجة الى اقناع شعبها بضرورة التحركات ضد دولة معينة، تبدأ بزرع المصطلحات التبريرية، مثل مصطلح محور الشر، ومحور الخير، هذا محور ينتهك حقوق الانسان، وذاك يحفظ السلم العالمي، اذ ليس بالضرورة ان يكون المحور منتهكا لحقوق الانسان ليتهم بهذه التهمة، يكفي انه خارج حدود التحالف، حتى لو طبق مبادئ حقوق الانسان بكل حذافيرها يمكن ان تلصق به التهمة، ام يمكن الصاق تهمة أخرى تحط من شأنه، وتؤدي الى خسارته.

اما اذا كانت الدولة حليفة فهي ترعى حقوق الانسان، او على الأقل يتم التسويق لسياسة التطبيع معها على انها مرحلة ضرورة لتجاوز الوضع الراهن، هي دولة دكتاتورية هذا لا يهم لأننا نعيش حالة حرب ضد العدو الأول الذي تم وضعه في سلم الأولويات العدائية، دعونا نتخلص من الشرير أولا، وبعدها نعود للحليف لنصلح احواله.

عندما يسمع الانسان البسيط خطابات قادة الدول العظمى يعتقد انهم ملائكة منزلون من سماوات الرحمة، فكلامهم تسوده أجواء الحزن على ما ذهب اليه العالم من انحدار في القيم، لكنهم يحاولون تضليل الراي العام العالمي عبر تسخير وسائل الاعلام لابعاد شبهة الحرب والصراع عنهم، ومن المفارقات ان دول العالم الديمقراطي هي الأولى في صناعة وتجارة الأسلحة الفتاكة، وهي الأولى ايضا في مجال الدفاع عن حقوق الانسان بمنظماتها ومؤسساتها الدعائية التي تروج لهكذا أفكار.

العالم اليوم بجميع اشكاله يتحول الى سلعة، فالنظام الديمقراطي سلعة، مرة توزع على انها دواء لعلاج الدول المخالفة من اجل تغيير أنظمتها، ومرة تؤجل لان الدولة التي يحكمها دكتاتور متحالف من الديمقراطيات الغربية، وكل شيء دون الديمقراطية وحرية الانسان هو سلعة او سلاح يتم اشهاره بوجه المخالفين، رغم ان الجميع متهم بقتل الانسان، والجميع متهم بانتهاك حقوقه، والجميع يمارس الجشع واقصى درجات الاستغلال للإنسان، والفرق ان هناك من هو اقوى، ومن هو اضعف، والنسر حليف القوي والماكر، فاذا لم تكن ماكرا في استغلال االقضايا السياسية والإنسانية تسحقك الدول الأخرى، اما المبادئ فهي مجرد لافتة تكتب على الدبابة، او الصاروخ الذي يقصف المدنيين والعسكريين معا وفي كل مكان في العالم.

اضف تعليق