الحوارات التي عادة ما تحدث بين العراق والأطراف الدولية الأخرى لم تجدي نفعا طالما الطرف المقابل يعرف حجم التفكك الداخلي وعدم التوافق بين المكونات السياسية، ما يحتم على الفرقاء الالتفات لهذه النقطة المهمة وجعلها نقطة الشروع نحو عراق مزدهر قائم على التفاهمات بين الشركاء...
منذ أيام ومعظم ابناء الشعب العراقي يتبادلون الحديث عن الحوار الاستراتيجي الذي انطلق بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق حول الكثير من المسائل العالقة بين البلدين، من اجل الوصول الى رؤية مشتركة وحلول مقبولة للطرفين، وانهاء حالة الشد والجذب التي تحصل في أوقات مختلفة.
اللبنة الأولى من الحوار الذي استمر لمدة ساعتين تطرق فيهما المفوضين عن حكومة الكاظمي وكذلك حكومة البيت الأبيض الى العديد من الملفات الحساسة والساخنة، من بينها إمكانية جدولة خروج القوات الأجنبية وكذلك تنمية القطاع الاقتصادي الذي اخذ بالتراجع بشكل ملحوظ ولم توجد خطة لانقاذه من التلاشي طيلة السنوات المنصرمة.
فضلا عن تطوير انتاج الطاقة الكهربائية وتقليل الاعتماد على دول الجوار، هذا الحوار يمكن ان نستشف منه قصد واضح ولا يحتاج الى فطنة حادة، فهو يمكن ان يكون أسلوب من أساليب الولايات المتحدة الأمريكية للحد من النفوذ الإيراني في العراق، وكذلك استخدام حكومة الكاظمي لتنفيذ الرغبة الأمريكية التي تريد ابعاد العراق مسافة معينة عن الجارة.
لو تساءلنا حول ما يجري وقلنا، هل امريكا بالوقت الراهن وفق ما لديها من نفوذ في العراق بحاجة الى عقد حوار استراتيجي مع الحكومة العراقية؟ بالتأكيد انها تؤدي دور ولها نفوذ يفوق ذلك بكثير، لكنها تريد ان تولد انطباع للمجتمع الدولي انها لم تتدخل او تفرض شيئا على الطبقة السياسية الحاكمة في العراق.
ان ما يمر به العراق ليس بحاجة الى حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة، بل ان ما يعانيه هو بسبب التناحر بين الكتل السياسية التي اعتادت وعودت الجماهير على استمرار الخلافات وتصاعد حدتها من اجل الحصول على المكاسب والوصول الى تقسيم للمناصب بطريقة المحاصصة التي كبدت البلاد خسائر جسام.
في حقيقة الأمر ان العراق الداخلي بحاجة الى الحوار والابتعاد عن الخلافات وتغليب لغة العقل والمنطق، ففي كل معترك سياسي يحدث بالبلاد كان تكون الانتخابات وما يلحقها من تشكيل حكومة نجد لغة التخاصم هي من يعلو صداها وجميع الأطراف يتبعون مبدأ الغابة.
وعلى مدار سبعة عشر عام والطبقة السياسية التي تتولى زمام الامور لم تثبت جديتها في تخفيف معاناة المواطن الذي قضى ردحا من الزمن تحت وطئة النظام الدموي الذي لا تزال البلاد تدفع ضريبة تخبطه وغباءه، اذ ما يعني الأحزاب المسيطرة هو كيف تحصل على الأموال العامة وفق الأساليب غير الشرعية.
لم نر لغاية الآن وضع أساس مصنع لإنتاج سلعة او بضاعة معينة يقل معها الاعتماد على دول الخارج الذي وصلت في بعض الاحيان حجم التبادل التجاري الى مليارات الدولارات، اذ اصبح البلاد منطقة تجارة رائجة من قبل الجميع، والذي ساعد على ذلك هو التقصير الداخلي من قبل المتحكمين بالقرار وعلى جميع المستويات.
فالعقلية ذاتها التي استولت على المؤسسات في البلد ولم تفسح المجال لان يأتي من يريد ان يغير او يطور والخروج عن القوالب القديمة التي بموجبها بقي البلاد يراوح بمكانه وربما تراجع كثيرا، فلا توجد خطة استراتيجية للنهوض بالواقع الاقتصادي، فكل ما يحصل هو الاهتمام بحقل الانتاج النفطي الذي تعتمد عليه الميزانية بشكل كبير.
ناهيك عما تعرض له القطاع الزراعي من انهيار كبير، اذ اصبح المزارع يفضل شراء المستورد على نضيره المحلي، وهجر ارضه لكون عملية انتاج المحاصيل الزراعية أصبحت عالية التكلفة ولا يتم استحصال ما يتم إنفاقه على محصول معين من تكاليف في نهاية الموسم.
كل ما تم ذكره يعود لجملة من الأسباب واهمها هو غياب الحوار البناء بين الجهات الحزبية، فاليوم العراق بأمس الحاجة الى نبذ الخلافات وتقارب وجهات النظر؛ ذلك ان هذا التقارب في وجهات النظر يجعل من الداخل قويا متماسكا امام الجبهات الخارجية.
الحوارات التي عادة ما تحدث بين العراق والأطراف الدولية الأخرى لم تجدي نفعا طالما الطرف المقابل يعرف حجم التفكك الداخلي وعدم التوافق بين المكونات السياسية، ما يحتم على الفرقاء الالتفات لهذه النقطة المهمة وجعلها نقطة الشروع نحو عراق مزدهر قائم على التفاهمات بين الشركاء، وهذا لن يحصل اذا لم يكن هنالك حوار فعال بين ابناء البلد الواحد.
اضف تعليق