من فلسفة التقدم هو محاربة الاستبداد، فالمستبد يجلب الكره لنفسه ويُقدم على عمله المصالح، ولا يستفيد من استشارة الأخرين، ولا فرق في استبداد الحكام أو استبداد الأفراد، فكلما كان الفرد كبيراً بتأثيره، يكون تأخره عن الواقع بسبب استبداده أكثر، والضرر أعظم ومن كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ((زلة العالِم، زلة العالًم)) وقال أيضا عليه السلام: ((من شاور الرجال شاركها في عقولها)).
إن المستبد يسيء إلى نفسه وإلى عمله قبل الأضرار بالآخرين، من حيث يزعم انه يحسن إليهما، وهي حالة في النفس قبل أن تكون مظهراً خارجياً.
وقد حاول الدين الإسلامي في مجال مكافحة الجهل تجاوز كل العقبات النفسية والاجتماعية التي تحول دون الوصول إلى العلم والمعلومات أو التعامل معها في حديث "اطلب العلم ولو كان في الصين " كمنهج تربوي في الحض على السعي للحصول على المعلومات الكافية في كل علم، وهناك بعض الأحاديث الغاية منها محاولة تربية الإنسان على تجاوز كل العقبات الموهومة أمام نيل العلم، منها "الحكمة ضالة المؤمن" فجردها من كل حيثيات المصدر وأوصافه العرقية والمذهبية.
ولكي نزداد اقتناعاً بهذه الحقيقة علينا أن نعرف حقيقة الاستبداد أكثر، أليس الاستبداد سيادة الغرور على الحق، والتعصب الأعمق على الحقيقة؟ أليس هو سيطرة الظلم على العدل، والسيف على الكلمة؟ أليس هو التحكم بالأنانية والفردية على الحب والجماعية؟ أليس هو طغيان القدرة على العقل والاستعباد على الحرية، أليس الاستبداد كل ذلك.
وجواب الرسول الأعظم (ص) تعليماً وإرشاداً لنا عندما سأله احد أصحابه بقوله: ((يا رسول الله: إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره ولا سنة كيف تأمرني؟ قال: تجعلونه شورى بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين ولا تقضي فيه برأي خاصة)).
كانت الحياة رتيبة قبل عصر الالة، فلما ظهرت الالة وأضُيف اليها شدة المادية، انفصم حبل الحياة وتشتت، بحيث لا يمكن للإنسان الواحد او الجهة الصغيرة الواحدة من إدارة نفسها أو جهتها بالشكل المطلوب، وهنا ظهرت ظاهرة الاستبداد بالرأي وعدم التشاور وعدم تقبل الاخر ومن فلسفة التأخر الاستبداد.
لنتقدم ونتحضر وبالثقافة في عصر الحداثة نحتاج الى الارشاد والعون والاستشارة، فإذا كانت هناك لجان في مختلف الابعاد لأجل اعطاء الشورى لمن يريد الاستشارة، يكون بذلك قد بدأنا مرحلة التقدم وواكبنا عصر الحداثة.
الشورى حاجة ملحة:
ويبدو أن الشورى هي من الحاجات الملحة التي تسابق الشعوب للحصول عليها وهي فكرة تمتد في استمرارية مع حياة الشعوب وهي يمكن أن تكون نقطة انطلاقة التمرد على الجبروت الذي يتمثل به الحكام في كل زمان ومكان يقول الامام الشيرازي قدس سره: (الشورى تضمن صعود المؤهلين وأصحاب الكفاءات إلى مرافق الحكم والإدارة مما يسبب تقدم البلاد والعباد). على سبيل المثال بالشورى يمكن أن يشن القائد حرباً ضروساً فيخرج منها منتصراً بأحقيته إذ إن الحرب لا تقوم إلا على أساس استرجاع حق أو هداية العاصين. وإن لم تكن عن طريق الشورى والمشورة لما اكتسبت الصلاحية ولما خول القائد في شنها.
عكس ذلك عندما يستند القائد برأيه فيشن حرباً تطابق أهدافها هواه وتجاري مقتضيات مصلحته وتلبي رغباته فلا تكون النتيجة إلا الخراب والدمار والشواهد في ذلك كثيرة لا تحتاج إلى تبيان.
وقد أفرزت الشورى شخصيات عديدة برزت في التاريخ على مر العصور، ولو تصفحنا سجلات التاريخ بماضيه البعيد والقريب ستجد كثيراً من الأسماء التي دونت فيها، تلك الشخصيات التي مرنتها الشورى فاتخذت من العدالة سياقاً وقاموساً وسلوكاً لمسيرتها. وعندما تفيض فينا رغبة صادقة بالتطلع إلى الحياة السعيدة والرفاه الأفضل وعيش رغيد خالٍ من الظلم والمظلوميات وبعيداً عن الفوضى والاضطرابات، علينا نبذ النزعات الفردية وتوحيد الكلمة بالالتزام بالشورى وبها نسعى لإتيان الأفضل فالأفضل. وأما إذا ازددنا إصراراً على رفض الشورى ونكرانها فعلينا أن ندرك تماما بأن لا بديل لعدم القبول إلا الإضراب والفوضى ومسايرة الجهل والتخلف يقول سماحته: (لا مجال لمن ينكر الشورى والحرية إلا أن يقر بالبديل الآخر، وهو الفوضى والاستبداد).
الشورى تمرن النفوس وتحفز على تثبيت عناصره وهي كثيرة وتحث على إحياء وإنماء الديمقراطية والعدالة والحرية في الحكم وتوحيد الكلمة والمساواة ونبذ الفرقة ومحاربة تفكك الأمة وتشرذمها لتكون الشورى محوراً للحكم وقطباً يستند عليه الفقهاء عند إطلاق الحكم فتسعد الأمة بشورى فقهائها وتنعم بصفائها.
كما يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: لندع الآخرين ينقدوننا ونشجعهم على ذلك، ثم نطور قابليتنا بالاستفادة من وجهات النظر الصحيحة من بينها ومن النادر عن تلقي أحدا يتقبل النصيحة من أعماقه، لذا فمن اللازم إن يعتاد الإنسان الاستشارية في كل صغيرة وكبيرة حتى تكون ملكة له.
اضف تعليق