q
الكوارث تقترب منا، وبعضها حل في ربوعنا، ولا حل الا ببناء دولة على اساس العلم، اذا كانت السياسة والاقتصاد والادارة علوما، فليتقدم العالمون بها الصفوف، ويرسموا خارطة طريق علمية في السياسة والاقتصاد والادارة، وليثقفوا الجمهور بها، و ليعلموها للسياسيين، في اطار رؤية اطارية للدولة الحضارية الحديثة...

اليكم هذه البديهية: السياسة علم، الاقتصاد علم، الادارة علم، ولا مكان للجهلة في حكم وقيادة الدولة الحضارية الحديثة، نعم! انا اعتبر الفقرة اعلاه بديهية؛ لكني ازعم انها اخر ما يخطر على بال من يقودون "الدولة" العراقية الان، ولربما هذا هو احد عيوب التأسيس في الدولة العراقية: ان الذين تولوا امور هذه الدولة ليسوا ذوي علم في السياسة والاقتصاد والادارة.

وتزداد اهمية هذه البديهية هذه الايام حيث تتظافر ظروف غريبة على النيل من العراق واضعافه. فلا حكومة فاعلة، ولا طبقة سياسية عالمة، ووباء صحي عالمي لا يرحم، وتراجع رهيب باسعار النفط، وعدوان عسكري اميركي سافر، وتيه رسمي في مختلف الدرجات الى درجة ان سفيرا رسميا للدولة يصدر بيانا "يطالب" فيه!

بقي علماء السياسة والاقتصاد والادارة والفكر في اروقة الجامعات، بعيدين عن ساحات الفعل والتأثير، خارج دوائر القرار. وحين رشح بعضهم للانتخابات البرلمانية لم ينتخبهم الشعب. هنا يتحمل الناخبون جزءً من المسؤولية في تولي الجهلة بهذه العلوم مهام القيادة والحكم في الدولة.

وحين فشل الجهلة في الحكم تظاهر الناخبون وغيرهم ضدهم، لكنهم لم يطالبوا بحكم العلماء! اذاً، حتى هؤلاء لم يفهموا شروط الدولة الحضارية الحديثة. طالبوا بالتعيينات. فسارعت الطبقة الحاكمة الى بيع ٥٠٠ الف درجة وظيفية على وجه السرعة بنفس الطريقة الزبائنية التي تعودت عليها طيلة الفترة الماضية. وهذا جهل من الجانبين. لان تضخم الجهاز الوظيفي للدولة ليس من العلم في شيء. فذلك خطوة اخرى في تعميق الهوية الخطأ للدولة: جهاز ريعي كبير يتقمص دور رب العمل. والناس موظفون لديها. ليس هذا حلا للبطالة! سوف يتذمر رجال السلطة من قولي هذا، فيما سوف يكرهني الذين حصلوا على هذه الوظائف، وسوف يشتمني بعض المتظاهرين، وسوف يسالني البعض: الم تكن رئيسا لشبكة الاعلام العراقي!

الكوارث تقترب منا، وبعضها حل في ربوعنا، ولا حل الا ببناء دولة على اساس العلم. اذا كانت السياسة والاقتصاد والادارة علوما، فليتقدم العالمون بها الصفوف، ويرسموا خارطة طريق علمية في السياسة والاقتصاد والادارة، وليثقفوا الجمهور بها، و ليعلموها للسياسيين، في اطار رؤية اطارية للدولة الحضارية الحديثة.

واذا تطلب الامر تشكيل حزب حضاري حديث وحيد ( وليس الكثرة الكاثرة من الاحزاب) فليشكل هؤلاء هذا الحزب وليساندهم كل المثقفين والكتاب والفنانين والعلماء والطلبة والعمال والكسبة والعاطلين عن العمل من الذين يؤمنون جميعا بان السياسة علم والاقتصاد علم والادارة علم. وليخوضوا جميعا وبكلمة واحدة وبصوت واحد الانتخابات الفردية، لتأسيس مجلس نواب اغلب اعضائه من العلماء والباحثين والعارفين بشؤون الادارة والاقتصاد والادارة والتشريع والحكم ليعيدوا بناء الدولة العراقية ويحرروها من الدكتاتورية الاوليجارشية والريعية والاعتماد على النفط كمصدر وحيد، وليبنوا الدولة الديمقراطية الاستثمارية، والقطاع الخاص القوي. هكذا فعلت الشعوب التي سبقتنا باقامة الدولة الحضارية الحديثة. نظّر لها مفكرون، وكتب دساتيرها علماء، وقادها رجال دولة على اساسٍ من علم ورؤية حديثة. وهذا هو الطريق الذي يجب ان نسلكه. طريق المعرفة والعلم والثقافة والحداثة. اما طريق الجهل والجهالة فلن يؤدي الى شيء سوى المزيد من المعاناة والتخبط والتراجع والبؤس والفقر والفشل.

لابد من حلول عاجلة، ولكن يجب ان تكون هذه الحلول جذرية وصائبة. وهذه الحلول لا يقدمها الا العلم الحديث في السياسة والاقتصاد والادارة والحكم والادارة، وغير موجودة في جيوب امراء الفشل والجهل المتحكمين بمقدرات العباد والبلاد.

وحان الوقت ان يعي الناس، والمتظاهرون منهم على وجه الخصوص، هذه البديهية، ويتحركوا بموجبها.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق