من لديه شهادة الدكتواره في اغلب البلدان يكون عمله مختلف عما يقوم به في العراق، حيث يكون له اهمية كبيرة ودور مؤثر في رسم خطط بعض المؤسسات الحكومية والاهلية على حد سواء، الى جانب كونه عاملا من عوامل تقدمها وتحقيق الرقي المنشود وفق مخرجات التكنوقراط...
ذات صباح التقيت بأحد زملاء الدراسة الذين حصلوا على الشهادات العليا، وأبلغني مستبشرا بانه حصل على تعيين في احدى الدوائر الحكومية، قدمت له المباركة واستدركت القول "انا متأكد من أنك ستبدع في مجال عملك لانك اهل للوظيفة"، واكملت "اين تم تعينك؟ وماهو عملك تحديدا؟"، فاجاب انه يعمل على ادارة صفحة الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.
زميلي يحمل الكثير من المهارات ولديه العديد من الامكانات بما تجعله متميز في اكمال الاعمال التي يكلف بها دون عجز او ملل، كما انه من الذين يبادرون لادخال الجديد في الاماكن التي يعملون بها، تماشيا مع الروح العصرية السائدة.
عندما عرفت المهام التي من الواجب قضاءها من قبل الموظفين في المكان المحدد، اندهشت كثيرا ذلك كونها لا تحتاج الى هذه الامكانية المتوفرة لدى الزميل وغيره لانجازها، بالاضافة الى حاجتها لوقت يسير من اجل اكمالها على اتم صورة.
فتعين الامكانات باغلب الدوائر الحكومية امر يبعث الراحة في النفوس، ويجعل من امكانية التغيير في الاجراءت المتعبة في الدوائر المتعددة قاب قوسين او ادنى من ذلك، هذه الحالة فيما اذا تم تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.
ولم تختلف حالة الزميل عن الكثير من الحالات، اذ نجد اغلب المتعينين او العاملين بالقطاع الحكومي اليوم يعملون بعيدا عن اختصاصاتهم العلمية، وما دفعهم لهذا العمل هو الحاجة الماسة للوظيفة من اجل توفير متطلبات الحياة التي اخذت بالتزايد والتونع يوم بعد آخر.
هذه الحالة بالتأكيد لها العديد من الايجابيات ولكن لا تخلو من سلبيات متعددة، لنخوض اولا بالايجابيات، اذ من المعروف ان الفرد يبحث جاهدا لايجاد مصدر يضمن من خلاله تدفق الاموال الى محفظته ليشعر بالراحة ازاء مخاطر الحياة اليومية وتبعاتها.
ومن بين الايجابيات ايضا هي انه اصبح يشعر بان تعبه لم يذهب سدا، ونال نصيبه من الحقوق التي من الواجب ان يحصل عليها المواطن في دولة ما، عاجلا ام آجلا، فهو بذلك اصبح مواطنا له من القيمة والمكانة قدر معين الى جانب مكانته الاجتماعية، فقد تكون هذه الدرجة الوظيفية كلمة المرور للكثير من الميادين الاجتماعية واهمها اختيار شريك لحياته.
ونكتفي بهذ القدر من الايجاب ونذهب صوب السلب الناتج من هذه التعينات، هذه الحالة تخلق نوع من عدم الرضا الداخلي لدى الموظف بشكل دائم، اذ لم يستطيع ان يتخلص من شعور الغبن وعدم العدالة، فمن غير المقبول ان يتعين من يحمل شهادة الدكتوراه في وظيفة يتمكن من ادارتها صاحب شهادة ابتدائية، ومتمكن من العمل على مواقع التواصل الاجتماعي.
من لديه شهادة الدكتواره في اغلب البلدان يكون عمله مختلف عما يقوم به في العراق، حيث يكون له اهمية كبيرة ودور مؤثر في رسم خطط بعض المؤسسات الحكومية والاهلية على حد سواء، الى جانب كونه عامل من عوامل تقدمها وتحقيق الرقي المنشود.
في بلاد الرافدين كل شيئ يسير بشكل مخالف للمألوف، اذ نلاحظ المهندس يعمل نجارا، والمدرس حارسا والشواهد على ذلك كثيرة، هذه الحالة تخلق بيئة غير صحيحة لم تمكن الفرد من تقديم افضل مالديه من إمكانات ومهارات فردية يتمتع بها.
فضلا عن حالة الملل المزمن التي من المؤكد تصيب الموظف الذي لم يرضَ عن وظيفته، يرافق هذا الملل شعور بالكسل والخمول لاداء ابسط الاعمال، وبالنتيجة يؤدي الى عدم انجاز الاعمال وتحقيق النهوض الكامل في القطاعات الحكومية على الاغلب.
اذا ما اردنا النهوض بالبلد علينا استثمار الطاقات الكامنة في العراق وبمختلف المجالات، فالبلاد تعد من البلدان الغنية بالموارد الاقتصادية والبشرية وهي بحاجة الى توجيها بالشكل الصحيح لتتمكن من العمل والانتاج ومن ثم تحقيق التقدم في جميع الميادين.
ومن اجل هذا التقدم يجب على الجهات الحكومية وتحديدا وزارة التخطيط القيام بجمع بيانات المتخرجين وفي جميع المجالات العلمية وتزويد الوزارات التي تفتح ابواب التعيين امام الافراد من اجل اختيار ما يناسبها، والابتعاد عن المحسوبية والمجاملة في هذا الجانب، كونه من اهم الاشياء المفترض مراعاتها في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة اليه في ان تتظافر الجهود للمضي نحو الامام.
اضف تعليق