q
عندما تفشل التجربة السياسية بسبب عدم كفاءة القائمين عليها او نتيجة التحديات التي تعرضت لها خلال مسيرتها، يغدو التغيير ضرورة قصوى، لإنقاذ ما تبقى، فلا يمكن الركون الى الفشل والابقاء على الخراب، ولاسيما عندما يطول الخراب والتدمير الثروة البشرية التي تعد عماد التنمية وهدفها...

عندما تفشل التجربة السياسية بسبب عدم كفاءة القائمين عليها او نتيجة التحديات التي تعرضت لها خلال مسيرتها، يغدو التغيير ضرورة قصوى، لإنقاذ ما تبقى، فلا يمكن الركون الى الفشل والابقاء على الخراب، ولاسيما عندما يطول الخراب والتدمير الثروة البشرية التي تعد عماد التنمية وهدفها.

وهذا ما طالبت به انتفاضة تشرين كما تسمى التي كشفت عن ان وعيا بالتغيير قد تبلور لدى الشباب بعد اليأس من امكانية الشيوخ اصلاح المسارات الخاطئة التي اتجهت اليها العملية السياسية، والفشل في احداث التحولات التي من شأنها تحسين نوعية العيش، واعادة العراق الى مكانة يستحقها بين الامم، واستبدال المفاهيم المتخلفة بإخرى حضارية تتوافق مع الحياة المعاصرة.

وبذلك لم تأت الانتفاضة نكاية بالسياسيين او رفضا للنظام الديمقراطي بدلالة عدم تقاطع مطالب الشباب مع المنطلقات النظرية التي تبنتها العملية السياسية في بناء نظام ديمقراطي يسوده تداول سلمي للسلطة على أساس مفاهيم المواطنة لشعب متنوع الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب، ولم يطرحوا أنفسهم بدلاء او منافسين لقيادة هذه العملية، بل اكتفوا بوضع مواصفات محددة لشخصية رئيس الوزراء وخارطة طريق واضحة للمستقبل المنظور، ومنحوا الطبقة السياسية ذاتها حرية اختيار هذه الشخصية، وهي في جوهرها فرصة يفترض استثمارها من هذه الطبقة لتجاوز اخطائها الموضوعية والذاتية واعادة قراءة الواقع العراقي من جديد والتأمل في متغيراته، والاستناد الى بدائل تتوافق مع هذه المتغيرات بما يحقق المصالح الوطنية، كما كانت فرصة أخيرة للتكفير عن ذنوبها وتحسين صورتها لدى الرأي العام، لاسيما ان التظاهرات كشفت عن صورة سلبية كانت قد تكونت في الأذهان في اطار ما يسمى بالرأي العام الكامن، والغريب ان هذه الجهات قد غفلت عنها، وعلى غير التوقع صارت بمواجهتها، ما زاد من ارتباكها وانفعالها، وهذا يعني ان عملها السياسي لم يكن مدروسا، وادارته لم تتسم بالكفاءة المطلوبة.

وبدل التحلي بالحكمة والحلم وتبني مطالب الشباب واحتواء التذمر الجماهيري واعادة صياغة العملية السياسية، لجأت أطراف اخرى تجاهل الجميع تسميتها الى سلوك سبيل العنف الذي راح ضحيته أكثر من 600 شاب وشابة ومارست اساليب متنوعة يندى لها الجبين، ما جعل الرأي العام يكيل الاتهامات الى هذا الطرف او ذاك، الأمر الذي أطال مدة الأزمة، وعمق الصورة المشوهة للقوى السياسية، وزاد المنتفضين عنادا واصرارا على مطالبهم، بينما لو التزم الجميع بالسلمية لربما كانت هناك مرونة معينة في التعاطي مع الأزمة وايجاد مخارج لها.

ان الأزمة بواقعها الراهن وبالمدة التي شغلتها والمراهنات على الوقت والظروف الجوية والتسويف الذي مارسته بعض الكتل السياسية، وخلق مشكلات كبيرة في غير أوقاتها بهدف تحويل انتباه الرأي العام عن موضوع الأزمة، والسعي الحثيث للالتفاف على مطالب الشباب بهدف مواصلة التجربة الفاشلة، يكشف عن ان النهج الديمقراطي والتداول السلمي لا يعدو سوى كذبة، لأن متبنيه لا يتوافرون على ايمان عميق به. وان التشبث بالسلطة والحفاظ على المصالح والنفوذ هو ما يشغلهم لا غير، من دون التحسب لما سيترتب على اغلاق الطريق امام التظاهرات بوصفها خيارا سلميا متوافقا مع النظام السياسي المعتمد لإحداث التغيير.

ومع ان الجميع يدرك زيف النظام الديمقراطي الراهن، وهشاشة آلياته التي أوصلت قيادات غير كفوءة الى دوائر صنع القرار على اختلاف أشكالها، الا ان قناعة عميقة لدى الرأي العام بأن لا خيار لانقاذ العراق من واقعه المزري غير الخيار الديمقراطي، وبالتالي فان الأماني مرهونة بتحقيق التظاهرات لأهدافها عبر استجابة القوى السياسية لمطالبها، لكي تترسخ في أذهان الجماهير ان الخيار السلمي يمكن له أن ينتج تغييرا وطنيا، وبعكسه فان القناعات ستذهب باتجاه لا جدوى الخيارات الديمقراطية السلمية، بما يضع الشباب بمواجهة طريقين لا ثالث لهما اما الاتكاء على الأجنبي كما يحصل في المناشدات الموجهة للامم المتحدة والاتحاد الاوربي ومجلس الامن، او اللجوء الى العنف، فما يلوح في الافق يشير الى انهما غير بعيدين، ولذلك لابد للعشوائية وعدم الاكتراث التوقف. ففي الطريقين مقتل العراقيين ونهاية الأمل.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق