بحر العلوم.. الحاضر الغائب في تاريخ النهضة العراقية
كعادتنا؛ لانكرم رموزنا الّا بعد وفاتهم، ولانكتب عنهم الّا بعد إغلاق ملفاتهم. ولكن العلامة السيد محمد بحر العلوم تغافلنا عنه مرتين؛ مرة عندما لم نكتب تاريخه في حياته؛ واخرى لأننا أغفلنا دوره في النهضة الإسلامية الشيعية الوطنية المعاصرة في العراق؛ حين أرّخنا لها في كتبنا ودراستنا؛ رغم أن للسيد محمد بحر العلوم حضور مهم في مسار هذه النهضة منذ أربعينات القرن الماضي.
ولعلّي من الباحثين القلائل جداً الذين ذكروا السيد محمد بحر العلوم في مؤلفاتهم ودراساتهم؛ إذ كتبت في كتابي ((سنوات الجمر)) عن دوره في المثلث البغدادي الذي جمعه الى جانب السيد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري في فترة الستينات؛ والذي كان يمثل المرجعية النجفية العليا الممثلة بالإمام الحكيم حينها؛ والذي كاد أن يقلب موازين السلطة العراقية ومضمون الدولة خلال فترة حكم عبد الرحمن عارف. كما ذكرته ضمن رواد النهضة الإسلامية والدعاة المؤسسين في سلسلة مقالاتي النقدية ((حزب الدعوة من الشروق الى السطوع)). وكان السيد محمد بحر العلوم يطالع هذه المقالات بدقة، ويدلي ببعض ملاحظاته عليها. وفي لقاءاتي به كان يذكر إشكالاته على بعض الذين يؤرخون لتاريخ الحركة الإسلامية العراقية؛ والذين لايراعون الأمانة والدقة. وعبّر لي في إحدى المرات عن استغرابه مما ذكره أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية في أماليه؛ والذي ألغى فيه دور السيد محمد بحر العلوم في كثير من الأحداث والمسارات. ورغم مرارة الموقف؛ الّا أن الخلق الرفيع والهدوء المهيب اللذين يتمتع بهما؛ كانا يمنعانه من التعبير الإنفعالي عن هذه الظواهر الخاطئة في الكتابة التأريخية السياسية العراقية؛ ولاسيما تلك التي تمسه شخصياً.
كل هذا؛ دفعني لأن أتفق مع سماحة السيد في عام 2012 للتعاون معه في تدوين مذكراته. ولكن للأسف ولأسباب موضوعية لم تتح فرصة تنفيذ المشروع. ولكن قُدر لي أن أسمع منه الكثير. وما أكتبه في هذا المقال؛ سمعت جزءاً منه من السيد مباشرة.
بحر العلوم ووعي النهضة
يمكن القول إن مرحلة السكون في مسيرة الحركة الإسلامية العراقية التي بدأت في أعقاب إنعقاد مؤتمر كربلاء عام 1924 ثم نفي المراجع الأربعة الى إيران؛ أخذت تتراجع تدريجياً مع إندلاع الحرب العالمية الثانية. وكان المنعطف الذي خلق تحوّلاً في واقع الإسلاميين العراقيين هو تداعيات حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وارتداداته في النجف، وإصدار مراجع العراق وفقهائه؛ ولاسيما المرجع الأعلى في النجف الإمام السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني والمرجع الإصلاحي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء؛ فتاوى صريحة في معارضة الإحتلال الإنجليزي، وداعمة لإستقلال العراق وللتغيير في توجهات الحكومة.
لقد وعى السيد محمد بحر العلوم وقائع حركة الكيلاني وفتاوى المراجع ومعارضة الإنجليز وبدايات الحراك النهضوي في النجف الأشرف عام 1941؛ وكان يبلغ من العمر 14 عشر عاماً. وبما إنه ينتمي الى بيئة علمية دينية عريقة لها تاريخها الجهادي والإصلاحي؛ فقد وجد نفسه جزءاً من هذا الوعي النهضوي الجديد. وأخذ خلال الأربعينات يتحرك في فضاء الجمعيات الدينية والثقافية والأدبية، وفي بيوتات المرجعيات الإصلاحية، وبدء يطرح كتاباته الأولى ويلقي الكلمات في المناسبات. والجانب الأهم هو انه التقى بعدد من الأقران الشباب في النجف؛ والذين تقاربت أفكارهم وآراؤهم؛ وشكّلوا شبه محور؛ أصبح له شأنه فيما بعد؛ ولاسيما في عقد الخمسينات.
لقد كانت هناك ثلاثة أنواع من الأحداث التي عايشها السيد محمد بحر العلوم؛ الأول يتمثل في الأحداث التي عاش على هامشها؛ كتداعيات حركة الكيلاني الإنقلابية وانعكاسها على النجف، والإعتراضات العنيفة التي عمت العراق والنجف على معاهدة بورتسموث بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية عام 1947، ثم تداعيات تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948وانعكاسه على العراق والنجف.
أما النوع الثاني فهي الأحداث التي كان السيد محمد بحر العلوم يعيش كثيراً من تفاصيلها؛ كنشاط الشيخ عز الدين الجزائري في أواخر الأربعينات وبدايات الخمسينات وحركتيه الشباب المسلم والعقائديين، وتحرك الثلاثي الشهيد عبد الصاحب دخيل والسيد حسن شبر ومحمد صادق القاموسي وتأسيسهم الحزب الجعفري عام 1953، و تحرك العلامة الزعيم الإصلاحي الشيخ محمد رضا المظفر في الأربعينات وتأسيسه جمعية منتدى النشر ونشاطها، ثم تأسيس كلية الفقه ودراسة السيد محمد بحر العلوم فيها؛ والتي كانت معقلاً للحركة الإسلامية النهضوية الإصلاحية.
ويبقى النوع الثالث؛ وهي الأحداث التي عاش السيد محمد بحر العلوم في صميمها، وكان جزءا منها ومن صانعيها. وفي مقدمها تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ الذي كان السيد من المشاركين في الجلسات الأولى لمناقشة فكرته منذ عام 1956. ورغم أنه لم يشارك في الإجتماعات التأسيسية التمهيدية في النجف الأشرف وفي إجتماع كربلاء التأسيسي النهائي؛ إلّا أنه كان مشاركاً في جلسات الحزب الأخرى وكان من أعضائه الأوائل. ورغم خروج السيد مبكراً من التنظيم؛ الّا أنه بقي قريباً من الدعوة وقادتها ونشاطاتها.
ومن هذه الأحداث أيضاً؛ النشاطات التي كانت تقوم بها جماعة العلماء في النجف الأشرف؛ فكان السيد محمد بحر العلوم من الكوادر الشبابية الناشطة فيها؛ الى جانب السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد حسين فضل الله والسيد مهدي الحكيم والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد باقر الحكيم والشيخ محمد أمين زين الدين والشيخ محمد باقر الناصري والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد طالب الرفاعي والشيخ عبد الامير الجمري الشيخ مهدي السماوي الشيخ عبد الهادي الفضلي و السيد عدنان البكاء والشيخ سليمان المدني والشيخ عارف البصري والسيد عبد الرسول علي خان وغيرهم. وهذه الثلة الشبابية لم يكونوا أعضاء في جماعة العلماء أو هيئتها الإدارية؛ ولكنهم كانوا المحرك الميداني الرئيس لنشاطاتها. وكانوا يحظون برعاية مباشرة من رئيس الجماعة الشيخ مرتضى آل ياسين. كما أن جماعة العلماء وحزب الدعوة كانا يحظيان برعاية المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم.
بحر العلوم من أعمدة تحرك مرجعية الإمام الحكيم
في خمسينات القرن الماضي برز الإمام السيد محسن الحكيم مرجعاً أعلى في النجف الأشرف، ثم تفرد بزعامة الطائفة الشيعية في العالم بعد وفاة السيد البروجردي عام 1961 ثم وفاة السيد عبد الهادي الشيرازي بعده بأشهر معدودات. وقد عاش السيد محمد بحر العلوم كل تفاصيل تحرك الإمام الحكيم ومرجعيته، وكان جزءاً منها، ثم أصبح من أعمدتها الميدانية في الستينات؛ ولاسيما بعد إنتقاله الى العاصمة بغداد مع نجل الإمام الحكيم ووكيله المطلق في بغداد السيد مهدي الحكيم. وكان وجود السيد مهدي الحكيم في بغداد حافزاً لتأسيس جماعة علمائية تحت إسم (جماعة العلماء في بغداد والكاظمية) في عام 1965، على غرار جماعة العلماء في النجف الأشرف؛ برعاية الإمام الحكيم ودعم الحركة الإسلامية. وكان من أبرز أعضائها السيد مرتضى العسكري والسيد إسماعيل الصدر والسيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ علي الصغير والشيخ محمد آل ياسين والشيخ موسى السوداني والشيخ جواد الظالمي والشيخ عارف البصري.
وكان مجيء عبد الرحمن عارف على رأس السلطة في العراق عام 1966، ثم نكسة حزيران عام 1967؛ من أهم العوامل التي دعمت المرجعية النجفية والحركة الإسلامية العراقية لبلوغ مستوى كبير من القوة؛ بالشكل الذي أصبح فيه المراقبون يتوقعون تغييراً قريباً في خارطة العراق السياسية لمصلحة الحركة الإسلامية، فيما لو استثمرت هذه الفرصة ـ الضائعة ـ بالشكل الذي ينبغي، والتي لم يتوفر مثيل لها مطلقاً فيما بعد.
وقد اعتمد الإمام الحكيم في تحركه السياسي غير الرسمي على مثلث اختاره بنفسه، ومنطلقه بغداد وليس النجف؛ يتكون من السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد مرتضى العسكري، ويدعمهم من النجف السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم. وكان هؤلاء الخمسة على تواصل وتنسيق مباشر مع ثلاثي قيادة حزب الدعوة الإسلامية: محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل والشيخ عارف البصري. وفي النتيجة كان هناك ثماني شخصيات تقود العمل السياسي بمضمونه الإسلامي الشيعي على مستوى العراق أجمع. وكان السيد محمد بحر العلوم أحد هؤلاء الثمانية.
والقوة الشعبية والنخبوية والسياسية والتنظيمية التي بلغها الإسلاميون الشيعة في عام 1967؛ جعل أنظار الكثير من السياسيين العراقيين التقليديين تتجه صوبهم، فعقد رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز وعدد من رفاقه محادثات مع الطرف المرجعي في بغداد؛ أي السيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد مرتضى العسكري؛ بغية تشكيل حكومة وطنية تحظى برضى المرجع الأعلى، وتعمل على إقامة نظام عادل في البلاد، ومنح الحريات للمواطنين. وفي هذا الصدد يقول السيد مهدي الحكيم بأننا ـ وبأمر من السيد محسن الحكيم ـ أبلغنا عبد الرحمن البزاز بأن موت عبد السلام عارف هو فرصة لتحويل الحكم العسكري إلى مدني، وتشكيل مجلس قيادة من ثلاثة أشخاص؛ يكون ممثل المرجعية أحدهم؛ إلا أن البزاز لم يقبل العرض.
المواجهة مع حزب البعث
عبأ حزب البعث – منذ استيلائه على السلطة عام 1968- إمكاناته لمحاربة الواقع الإسلامي الشيعي. ومقابل ذلك قرّر الإسلاميون التريث في مواجهة الحدث المستجد؛ وعدم الدخول في مواجهة غير متكافئة مع السلطة. وصدر القرار الرسمي بالقضاء على الحالة الإسلامية والوجود الديني في العراق في 4 نيسان 1969 عن القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث، ونصّ على ((ضرورة القضاء على الرجعيّة الدينية باعتبارها العقبة الكبرى في مسيرة الحزب)) كما نشرته مجلة العمل الشعبي. والرجعيّة الدينية هنا كناية عن الحالة الإسلامية والمرجعية الدينية وعلماء الدين.
أما التحرش العملي فقد بدأ بمصادرة السلطات للأموال المرصودة لجامعة الكوفة (الخيرية الأهلية) - قيد الإنشاء- والتي تبلغ (4،530،000) دينار(2)، وسحب إجازتها. وتم ذلك تحت ستار القانون الذي أصدرته الحكومة بتأميم جميع المدارس الإسلامية. مع التأكيد على الكلّيات والمعاهد والمدارس الإسلامية. وقد احتج الإمام الحكيم على إلغاء مشروع جامعة الكوفة ومصادرة أموالها، إذ قابل نجله السيد مهدي الحكيم أحمد حسن البكر (رئيس الجمهورية) وأبلغه احتجاج والده.
واستغل النظام البعثي أجواء خلافاته مع النظام الإيراني؛ ليقوم بحملة قاسية وشاملة ضد العراقيين من ذوي الأصول الإيرانية والإيرانيين المقيمين في العراق، فبدأ في بغداد والكاظمية بحملة التهجير المجتمعية الأولى في أواخر نيسان 1969، ثم شملت النجف الأشرف وسامراء وكربلاء وعدداً آخر من المدن في أيار من نفس السنة. وقد قررت القيادة البعثية تهجير أكثر من نصف مليون نسمة أي 6% من نفوس العراق إلى إيران، ويشمل ذلك أعدادا" كبيرة من العلماء الشخصيات الإسلامية.
وفي خضم هذه الأحداث أقيم في مرقد الإمام علي(ع) في النجف الأشراف مؤتمر جماهيري حاشد ذو طابع احتجاجي، بدعوة من الإمام الحكيم؛ الذي حضرة شخصياً، إلى جانب جمع غفير من المراجع وعلماء الدين، كالسيد الخوئي والشيخ مرتضى آل ياسين والسيد عبد الله الشيرازي والسيد محمد باقر الصدر. وألقى السيد مهدي الحكيم كلمة في المؤتمر نيابة عن والده، تضمنت نقداً حاداً للنظام الحاكم، وتطرق فيها إلى مجمل القضايا التي شغلت الشارع العراقي طوال فترة الحكم الجديد، كمطاردة الإسلاميين وحملات التهجير ومصادرة الحريات والتضييق على الحوزة العلمية وعلماء الدين.
وفي نفس السياق عقد سبعون عالماً دينياً في بغداد اجتماعاً استشارياً بطلب من الإمام الحكيم؛ لبحث الوضع عموماً والموقف الذي يجب اتخاذه. وكان السيد محمد بحر العلوم أحد الناشطين الأساسيين في هذا الإجتماع. واختار المجتمعون عشرة علماء لعرض ما توصلوا إليه على الإمام الحكيم. واستقر الرأي بشكل نهائي على أن يتجه سماحته إلى بغداد كإيحاء بالاحتجاج. وعندما سافر السيد الحكيم بدأت الوفود بالتقاطر على محل إقامته، مما أشعر السلطة بالخطر. وكان يحيط بالمرجع الأعلى عدداً من مقربيه بصفة مستشارين؛ كالسيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد بحر العلوم والسيد هادي الحكيم وغيرهم. وخلال أيام مكوثه القليلة في بغداد زاره جمع من رجال السلطة ومسؤوليها، كخير الله طفاح (محافظة بغداد) وحامد العاني (مدير الأمن العام) كمبعوثين شخصيين عن رئيس الجمهورية، وحماد شهاب (وزير الدفاع) وعبد الحسين ودّاي (وزير الزراعة). وكانت مجمل مطالب ممثلي النظام تدور حول إقناع المرجع الأعلى بتحسين موقفه من النظام والكف عن معارضته له. ولكن الإمام الحكيم كان يواجههم بمطالبته النظام بالكف عن ملاحقة العلماء واعتقالهم ومطاردة الأبرياء، و إطلاق سراح المعتقلين.
هذه الأمور دفعت النظام الى الإقدام الفوري على تنفيذ الفصل الحاسم من مخطط حزب البعث القاضي بإنهاء وجود المرجعية الشيعية وامتداداتها إنهاء كاملاً، ليس في العراق وحسب؛ بل في جميع أنحاء العالم. فقام أحمد حسن البكر بعقد إجتماع طارئ لمجلس قيادة الثورة، وتقرر فيه تشكيل لجنة من طه الجزراوي وناظم كزار وعبد الوهاب كريم وشبلي العيسمي وصالح مهدي عماش، بوضع خطة للقضاء على المرجعية الدينية والحركة الاسلامية الشيعية. كما تم الإتفاق على استمرار الحملة ضد علماء الدين، واعتقال أكبر عدد ممكن منهم، والإعلان عنهم كجواسيس يعملون لحساب إيران بدل إسرائيل، لأن عمالة رجال الدين لإسرائيل أمر لا يمكن تصديقه، ولكن ما دامت إيران دولة شيعية فإن من المحتمل تصديق عمالتهم للشاه.
وفي حزيران عام 1969، ظهر العميد مدحت الحاج سري على شاشة التلفزيون ليكشف عن (المؤامرة) التي يقف على رأسها للإطاحة بالنظام الحاكم، بمساعدة إيران وأميركا واسرائيل، وليتّهم السيد مهدي الحكيم بالتعاون معه وبالعمل لحساب إيران والملا مصطفى البرزاني. وبذلك وجهت السلطة ضربة مباشرة لشخص المرجع الأعلى؛ لأن المتهم هو نجله ومعتمده. وفي اليوم التالي اقتحمت قوات السلطة مقر إقامة آية الله الحكيم في بغداد؛ من أجل إلقاء القبض على نجله السيد مهدي، الذي تمكن من ترك العراق بعد فترة من التخفي. ثم أخذت السلطات السيد الحكيم عنوة بسيارة حكومية وأرسلته إلى مقره في الكوفة، ثم وضعته تحت الإقامة الجبرية المشددة، وقطعت عنه الماء والكهرباء والهاتف.
وفي الوقت نفسه؛ أصدرت السلطة أمرها بإلقاء القبض على آخرين بالتهمة نفسها؛ أبرزهم السيد محمد بحر العلوم والسيد مرتضى العسكري؛ ولكنهما تمكنا من الهرب أيضاً. أعقبها صدور حكم الإعدام عليهما غيابياً. وبذلك قضت السلطة على المثلث الذي يمثل المرجعية سياسياً في العراق، والذي كان يحرك الوضع ويمسك بالساحة الشيعية إنطلاقاً من بغداد.
وفي المهجر؛ ظل السيد بحر العلوم يعمل الى جانب رفيق دربه السيد مهدي الحكيم ضد النظام البعثي. وكانت أفكارهما منذ عام 1969 وحتى بداية السبعينات تتركز على محاولات القيام بانقلاب عسكري وتحرك ثوري بالتعاون مع أطراف المعارضة العراقية في الداخل والخارج؛ ولاسيما كبار الضباط السابقين وشيوخ العشائر وقادة الأحزاب الوطنية والكردية. وبقي السيد محمد بحر العلوم ناشطاً بقوة ضد النظام البعثي طيلة 35 عاماً متواصلة؛ أي منذ اليوم الذي وصل فيه البعث الى السلطة عام 1968 وحتى سقوطه عام 2003؛ وبكل الوسائل المتاحة. وخلال هذه الفترة تعرضت أسرته (السادة آل بحر العلوم) الى أبشع صنوف الإنتقام من النظام البائد؛ فاعتقل معظم رجالها وأعدم كثير منهم، وكان بينهم فقهاء وعلماء دين كبار.
ويداول الله الأيام؛ فيتقلّد السيد محمد بحر العلوم المطارد المحكوم بالإعدام؛ منصب رئيس مجلس الحكم الإنتقالي في العراق (بدرجة رئيس حكومة) في عام 2004؛ وهو في سن 76 عاماً؛ بعد ستة عقود من الكفاح والعمل السري والعلني في إطار مشروع النهضة الإسلامية الوطنية في العراق.
اضف تعليق