من بين ماقاله الرئيس الاميركي ترامب، في مؤتمره الصحفي، الذي جمعه برئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو، عند اعلانهما عن (صفقة القرن) في واشنطن مامعناه؛ ان العرب والمسلمين، اخطأوا، عندما رفضوا الاعتراف باسرائيل، حين اعلانها في العام 1948، وان حروبهم اللاحقة ضدها لم تكن لها ضرورة...
من بين ماقاله الرئيس الاميركي ترامب، في مؤتمره الصحفي، الذي جمعه برئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو، عند اعلانهما عن (صفقة القرن) في واشنطن مامعناه؛ ان العرب والمسلمين، اخطأوا، عندما رفضوا الاعتراف باسرائيل، حين اعلانها في العام 1948، وان حروبهم اللاحقة ضدها لم تكن لها ضرورة.
كلام ترامب، الذي اتى بعد اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لاسرائيل، وبضم الجولان لها ايضا، خلافا للقرارات الدولية، يعيد الى الاذهان ماحصل في العام 1948 عندما قامت عصابات (الهاغانا) التي قادها يهود متطرفون، امثال بن غوريون وبيغن وشامير، وامثالهم، وبالتزامن مع اعلان دولة اسرائيل، بارتكاب مجازر في اكثر من بلدة وقرية فلسطينية، من تلك التي اصبحت بعد التقسيم، من حصة اسرائيل. وكانت تلك المجازر مقدمة مفزعة لمسلسل من التهجير، تم تنفيذه وفق خطة موضوعة مسبقا، ولعل مجزرة دير ياسين، التي كانت المفتتح الدموي لهذا المسلسل، اريد منها، تهجير اكبر عدد من العرب وافراغ مناطقهم، لجلب اكبر عدد من اليهود، سواء من مواطني البلدان العربية او من مناطق العالم المختلفة. وكانت هذه المجازر سببا في اثارة الراي العام العربي وحتى الدولي، وقتذاك، اذ خرجت التظاهرات المطالبة بنجدة الفلسطينيين، فوجدت الانظمة العربية نفسها، امام استحقاق سياسي واخلاقي كبير، يفرض عليها الذهاب بجيوشها الى هناك، لإيقاف تلك الاعمال الوحشية، لكن اللعبة كانت متقنة، ومخطط لها بشكل جيد، والانظمة العربية نفسها كانت مرتهنة الارادة، فكانت حرب العالم 1948 بمثابة تكريس للوضع الجديد، لاسيما بعد القبول بالهدنة.
تكشفت الارواق فيما بعد، وبالتدريج، فحرب العام 1967 جاءت في سياق خطة تستهدف وضع اليد بالكامل على القدس، التي ظل وضعها غير محسوم، عند تقسيم فلسطين، وكان هناك خط فاصل، ظل يقسّم المدينة، شرقية وغربية، حتى عدوان العام 1967 حيث اصبحت تحت سيطرة اسرائيل بالكامل، مع ان قرارا من مجلس الامن الدولي، يطالب اسرائيل بالانسحاب، ليس فقط من القدس الشرقية، وانما من جميع الاراضي التي احتلتها في تلك الحرب، وهو ما لم تلتزم به اسرائيل حتى الان، بل اضافت الى نازحي العام 1948 ،اعدادا اخرى ممن نزحوا بعد عدوان 1967، ولم تسمح لهم بالعودة الى ديارهم، خلافا للاعراف الدولية.
قرار الجامعة العربية في مؤتمر قمة بيروت العام 2002 الذي اعلنت فيه الدول العربية، اعترافها باسرائيل، مقابل العودة الى حدود الخامس من حزيران العام 1967 كان بمثابة اقرار بالامر الواقع، وبعدم القدرة على دحر اسرائيل، بسبب الخلل الكبير في توازن القوى، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان هو الاخر، يناور بهذه القضية سياسيا، ولم يبع العرب سلاحا ستراتيجيا يتفوق على السلاح الاسرائيلي، كونه يعترف بها، ولايسمح بدحرها عسكريا.
في كل الاحوال، وانطلاقا من منطق السيد ترامب نفسه، كان على اسرائيل بالمقابل، ان تعترف بالدولة الفلسطينية التي اقرها التقسيم في العام 1947، وتنفذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة، والانسحاب من الاراضي التي احتلتها، في الضفة الغربية والجولان، لكي يتحقق السلام، لكنها لم تفعل، وظلت تجد، وباستمرار، ضرورة لشن اكثر من حرب، على الرغم من انتفاء هذه الضرورة بالنسبة للعرب، من الناحية العملية، ومنذ مؤتمر مدريد العام 1991 الشهير الذي لم يكن سوى استعراض اميركي اسرائيلي للسلام، بعد تدمير العراق، وليس بداية لعملية سلام حقيقي.
لكن كل هذا يبقى في جهة، والتشرذم العربي والاسلامي، غير المسبوق، في جهة اخرى، فهناك انظمة، ترفع شعارات تحرير فلسطين ومنذ عقود، لكن بعد ان تحرر الدول الاخرى من انظمتها! فالإسلامية منها، تريد ان يكون نموذجها هو السائد، وتعمل على الاطاحة بالاخرى الكافرة! و(التقدمية) تريد ل(الرجعية) ان تزول لتقيم بدلها انظمة تقدمية مثلها! و(المعتدلة) تريد ل(الراديكالية الثورية) ان تسقط وبأي ثمن وتعمل بلاهوادة ضدها! وهكذا صارت المنطقة عبارة عن غابة من عداء مستحكم، فالكل يعمل على اسقاط الكل، والكل ايضا، يريد ان يحرر فلسطين، لكن على طريقته الخاصة، فضاع الحد الادنى من الامل بتحقيق مكسب واقعي للفلسطينيين، بينما اسرائيل تتمدد، وتحقق مكاسب حقيقية على الارض!
ترى، هل جاءت هذه الصفقة، بمثابة صفعة قوية للانظمة العربية والاسلامية التي عبثت طويلا بمصير شعوبها وبقضية فلسطين معا؟ .. اعتقد انها الان تعيش تحت تاثير الصفعة، وحين تصحو، ستشتبك حتما مع بعضها، فكل نظام سيحمل الاخر، مسؤولية ماحصل .. ويستمر المسلسل .....والصفعات!.
اضف تعليق