ببساطة ان نظام التشفير هو عبارة عن اتفاق بين الطبيب والصيدلاني مفاده وضع بعض الرموز لم يتمكن من حلها سوى صاحب الصيدلية التي يوصي بها الطبيب ولن يقبل بجلب العلاج من غيرها بحجة ان العلاج الموجود فيها سريع الفعالية ويشفي المرض بأقرب وقت ممكن...
تعرض أحد اصدقائي لوعكة صحية ذات يوم وقررت زيارته لأطمئن على احواله، وجدت على ملامح وجهه السعادة لتحسن حالته الصحية، لكنه أخبرني عما أزعجه خلال رحلته العلاجية، اكملت الحديث معه وسألته عن الحالة التي واجهته خلال البحث عن الشفاء مما اصابه في الايام السابقة، فقال هو اتباع نظام التشفير بين الطبيب المعالج وصاحب الصيدلية المجاورة وكذلك المختبر القريب منه.
ببساطة ان نظام التشفير هو عبارة عن اتفاق بين الطبيب والصيدلاني مفاده وضع بعض الرموز لم يتمكن من حلها سوى صاحب الصيدلية التي يوصي بها الطبيب ولن يقبل بجلب العلاج من غيرها بحجة ان العلاج الموجود فيها سريع الفعالية ويشفي المرض بأقرب وقت ممكن.
فالمريض بهذه الحالة يكون اسير بين المشتغلين بالمجال الطبي، باحثا عن نقطة مضيئة تخلصه مما لحق بصحته، وحفاظا على سلامته العامة التي اصبحت مهددة في الوقت الراهن بسبب سوء الخدمات الصحية وافتقار المستشفيات في العراق لأدنى شروط السلامة للمرضى.
الوضع الحالي الذي يمر به القطاع الصحي الخاص ينذر بالخطر الذي يهاجم حياة المواطنين الى جانب التأثير على الحالة الاقتصادية لشرائح المجتمع، فبمجرد مراجعة الطبيب يفتح امام المراجع باب الدفع الذي يعرف بدايته ولم يعرف متى يغلق.
لنعود على ما تم التطرق اليه في بداية الحديث عن ظاهرة التشفير التي ضربت بأركانها جميع مفاصل العملية الطبية التي يقدمها القطاع الخاص، اذ بفعل هذه الحالة أصبح الناس يخشون الاصابة بابسط الامراض، لما يعانوه من جشع الاطباء والعاملين بصورة عامة.
الفائدة من اللجوء لهذه الظاهرة بالنسبة للطواقم الطبية هو اجبار المريض على دفع قيمة الوصفة العلاجية (الراجيتة)، باكثر من قيمتها الاصلية بضعفين او اكثر في اغلب الاحيان، وهنا يكون الفرد واقع في دائرة الاستغلال الفاحش.
بينما الخاسر الوحيد من طرفي المعادلة هو المريض، فلا يجد من ينصفه ويراعي ضعف حالته المادية، وبعض الاطباء في ذات الوقت أصبحوا يتعاملون مع الحالات المرضية بحسابات الربح والخسارة، وابتعدوا كثيرا عن الجنبة الانسانية التي من المفترض ان يتحلون بها.
القطاع الطبي الخاص يمر اليوم بحالة لم تكن متبعة في الاوقات الماضية، وهي حالة الاتفاق بين المختصين بالمهنة الطبية، حيث وصلت الحالة بأن يقوم صاحب الصيدلية او المختبر بدفع ايجار مبنى عيادة الطبيب في المقابل يضمنون توصيته بأن يؤخذ العلاج حصرا من الصيدلية الفلانية واجراء الفحوصات المختبرية في المختبر الذي يحدده وهنا تكمن الكارثة الحقيقية.
من ساعد على انتشار هذه الظاهرة هو غياب دور المؤسسات الرقابية، فلا نجد اي وظيفة لنقابة الاطباء المعنية بصورة مباشرة عن هذه الممارسات التي لا تتفق مع القواميس الانسانية والتي من الواجب قيامها على التعاون والعطف فيما بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
يضاف الى عوامل استفحالها هو رداءة الخدمات العلاجية المقدمة في المستشفيات الحكومية بصورة عامة، اذ لا تتوفر بيئة صحية تعمل بشكل او بآخر على تطمين المرضى وزرع في نفوسهم الامل في الشفاء من الامراض التي اخذت تفتك بالمجتمعات واتخاذ التدابير اللازمة للحد من انتشارها.
الذي يحصل عندما يصاب الفرد بمرض معين ويجعل من المستشفى الحكومي ملاذه الاول للتخلص من الازمة الصحية التي لحقت به، نجد الطبيب ينصحه بمراجعته الى عيادته في المساء، مع اعطاءه تلميحات تفيد بأن الخدمات المقدمة هنا غير قادرة على شفاءه.
ويبقى الامل معقود على دور المؤسسات الانسانية التي تسعى جاهدة لتحسين اوضاع الفرد من جوانب متعددة بأن تلتفت لهذه المنعطفات ووضع الحلول التي تعمل على ابعاد شبح الخوف الذي لا يزال يهاجم الاستقرار النفسي للافراد وتخليصهم من ظاهرة التشفير اضحت عبئا اضافيا على الكثيرين.
اضف تعليق