المشكلة القائمة في لبنان اليوم لا تتمثل بمن سيكون المسؤول عن وضع الموازنة هل هي الحكومة المستقيلة ام الجديدة برئاسة حسان ذياب، بل تنحصر بهل هي حاملة بين جنابتها رؤى اقتصادية جديدة، تفتح نوافذ اخرى على البلاد لكي تتنفس الصعداء بعد الاختناق الذي عاشته طيلة السنين المنصرمة...
تسعة واربعين صوتا هو العدد الكلي للمصوتين على الموازنة العامة في لبنان مقابل اعتراضات قليلة وامتناع جزء يسير من النواب الرافضين لتمرير تلك الموازنة التي يرونها غير ملبية للطموح.
عقب ذلك التصويت احتجاجات واشتباكات بين القوات الامنية والمتظاهرين الذي عبروا عن سخطهم لكنهم لم ينجحوا في منع نواب البرلمان اللبناني كما حدث في المرات السابقة، ما سهل على البرلمانيين مهمة الدخول للمبنى هو تدخل الجيش الذي اتخذ قرارا واضحا بهذا الشأن، فكان مساهم باكتمال النصاب المطلوب على الرغم من مقاطعة كتلتي القوات اللبنانية والكتائب وبعض المختصين للجلسة.
ويعتقد الكثيرين من اللبنانيين ان الجلسة المعقودة لم تتمتع بالشرعية القانونية، كون الحكومة الحالية هي الاخرى لم تحظى بالشرعية لحد الآن، فبالرغم من الجدل الحاصل بعدم دستورية الجلسة الا انها انعقدت للمرة الاولى بعد انطلاق الحراك الشعبي في اكتوبر الماضي.
جميع الآراء في لبنان تتفق على مدى خطورة الاوضاع التي تمر بها البلاد، من الناحية السياسية والاقتصادية وسط تساؤلات حول امكانية الخطوات التي ستتبعها الحكومة الجديدة لإنقاذ البلاد من الانهيار المرتقب والذي اخذت بوادره تلوح في الافق.
البرلمان نجح في عقد جلسة لإقرار الموازنة العامة، ويبقى التساؤل المطروح حول قدرتهم على عقد جلسة اخرى تمنح الشرعية للحكومة الجديدة في ظل تصاعد وتير الحراك الشعبي المندلع في مناطق مختلفة من لبنان.
ان التصويت على الموازنة الحالية ربما يكون مجرد اجراء برلماني لم يتعدى عتبة البرلمان، ما دامت هنالك اعتراضات على شرعية الحكومة، يضاف الى ذلك فان الموازنة المقرورة تعاني من عجز 4.5، وهذا يعني ان الاوضاع لم تتحسن ولم تكن هنالك خطوت لرفع المستوى الاقتصادي للفرد اللبناني الذي خرج للشارع احتجاجا على تدهور الاوضاع.
الخطأ الذي وقعت به الطبقة السياسية في لبنان هو وضع ميزانية تعتمد بنسبة معينة على حجم الايرادات التي من المتوقع استحصالها في الايام القادمة، اما الواقع فهو غير ذلك فان المواطنين ثقل كاهلهم ولم يكن بمقدورهم تحمل الاعباء المالية التي يمر بها البلاد نتيجة سوء ادارة الملف الاقتصادي الذي أصبح مريضا غير قادر على التعافي.
المشكلة القائمة في لبنان اليوم لا تتمثل بمن سيكون المسؤول عن وضع الموازنة هل هي الحكومة المستقيلة ام الجديدة برئاسة حسان ذياب، بل تنحصر بهل هي حاملة بين جنابتها رؤى اقتصادية جديدة، تفتح نوافذ اخرى على البلاد لكي تتنفس الصعداء بعد الاختناق الذي عاشته طيلة السنين المنصرمة.
لاشك ان هذه الموازنة تعبر عن حالة الخصام الذي تعيشه الطبقة السياسية، كون مضمونها لا يلبي الطموحات الجماهيرية، بل يمكن ان يكون السبب وراء اقرارها هو المرحلة الحالية التي تعد من اعقد المراحل ولابد من تمريرها بهذه الشاكلة ومن ثم هنالك خيار إعادة النظر فيها من قبل الحكومة الجديدة، ومع وجود هذه الاحتمالات يبقى موضوع قبولها او رفضها مرهون بالمقبولية الجماهيرية التي يهمها ان تكون الموازنة عامل مهم من عوامل تغيير اوضاعهم المعيشية.
هنالك اشكالية او معوق رئيس امام حكومة ذياب وهو عمرها القصير الذي لم يتجاوز الشهرين، اذ لم تزل تتقوقع في محيطها الداخلي وما يعانيه من ظروف استثنائية شائكة، ووفق هذا فلم يتمكن بعد من توطيد علاقته خارجيا ويعقد اتفاقات مع الدول التي يعتقد بمد يد العون لحكومته الفتية.
من غير الصحيح ان يستمر الانفاق بدون اقرار الموازنة العامة، اذ من الممكن هذه الحالة ان تزيد الخرق الذي اصاب الرداء الحكومي، فمن الواجب اقرارها بهذه الصورة ويتبع ذلك تعديل وفق ما يحقق الامنية الشعبية، لكن على المواطنين ان لا يحلموا بأحلام وردية فان العجز لم يغادر الميزانية على الاقل في الفترة القريبة الآتية.
البدائل لم تكتمل بعد من اجل النهوض بالواقع الاقتصادي، لاسيما ما تتعرض له لبنان من ضغوط سياسية نتيجة توافق بعض اطرافها السياسية مع وجهة النظر الايرانية التي تريد ان تفلت البلد من القبضة الامريكية التي تسعى الى ان تتحكم بمجريات الامور السياسية من خلال اللعب بالورقة الاقتصادية.
الحل يكمن في تحويل الاقتصاد الريعي القائم على منطق الاستدانة والقروض من الدول الميسورة، الى اقتصاد منتج، روافده القطاع الزراعي والسياحي وغيره من القطاعات.
فلا يزال الشعور السائد لدى الجماهير ان رئيس الحكومة الجديدة حسان ذياب هو سياسي سابق ووزير قديم في الحكومة القديمة لمنقلبة على حكومة سعد الحريري، لم يملك العصى السحرية لقلب الموازين لصالح الجماهير طالما لم يجد جديد يتعلق بالمردوادات الاقتصادية التي اخذت بالتراجع بشكل مستمر.
اضف تعليق