وهكذا توزع نشاط الشركات بقاع العالم، بعد ان تجاوزت قيود الماضي، الاّ العراق، مازال الى اليوم، وبعد نحو سبعة عشر عاما، غير مستفيد من هذا الواقع، بل بدا وكإنه يعيش في عالم آخر، بسبب شيوع ثقافة جديدة، تبنتها بعض القوى السياسية المتنفذة، خلاصتها تقوم على المبدأ القديم، الجديد ضرب المصالح...
من بين المصطلحات الشهيرة التي كانت تتداولها الغالبية من النخب المثقفة، في العراق وغيره من البلدان التي هبّت عليها ريح اليسار ..(ضرب المصالح الاميركية والغربية في المنطقة)! ولااعتقد ان هناك شخصا من الاجيال المولودة في العقد السبعيني وقبله، لم تطرق مسامعه بكثرة هذه العبارة، او يقرأها في وسائل الاعلام المختلفة، ولعل من معايير الوطنية، وقتذاك، ان يتبنى الشخص مثل هذه الطروحات، ويتغنى بها امام الاخرين، اي ان ضرب المصالح الاميركية والغربية، بات هدفا بحد ذاته.
لم يعرف اغلب المتبنين لهذه الثقافة، انها نتاج صراع اجندة ومشاريع سياسية كبرى، بين المعسكرين، الاشتراكي والراسمالي، ليس بالضرورة تخدمنا، وان فكرة ضرب مصالح هذا الطرف لصالح ذاك، تاتي في سياق هذا الصراع، اي ان الطرف الآخر، الراسمالي، هو ايضا يروج للثقافة نفسها، ويحشد مثقفيه واعلامه للترويج لها، لكن بطريقة اقل شعارية!
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، مطلع التسعينيات، وشيوع ثقافة الانفتاح واقتصاد السوق، او هكذا اصبح الواقع، قلّ استخدام عبارة (ضرب المصالح)، من قبل الجميع، لانها باتت غير عملية، بسبب سقوط الحواجز الاقتصادية والنفسية، قبل ذلك، وصارت المصالح المشتركة للجميع، تدفع باتجاه التعامل مع الجميع، على الرغم من ان وضعا مثاليا لم يحصل حتى الان، وان الصراع الخفي بين الكبار الاقوياء، صار يتخذ اساليب شتى، وان ما يسمى اليوم بسياسة المحاور، هو آخر تجليات هذا الصراع، الذي تحكمه المصالح بالتاكيد، وليس شيئا اخر.
الشيء الذي وقف عليه الكثيرون من المثقفين، بعد تلك التجربة، ان دولهم خسرت كثيرا، خلال مرحلة الحرب الباردة، لان كلا الطرفين كانا بحاجة لبعضهما بشكل او باخر، وان الخبرات المتبادلة، التي هي خلاصة عقول المبدعين، ممن لم يكونوا بالضرورة عقائديين، او يعنيهم هذا الخلاف، لم تاخذ مداها المطلوب وقتذاك، لخدمة شعوبهم والانسانية بشكل عام، نتيجة حصر مناورتهم العلمية في ميادين محددة، ولعلها تحررت بعد انتفاء مبررات الصراع، وصار العالم يستفيد من خبرات الجميع، بعيدا عن القيود السابقة.
وهكذا توزع نشاط الشركات بقاع العالم، بعد ان تجاوزت قيود الماضي، الاّ العراق، مازال الى اليوم، وبعد نحو سبعة عشر عاما، غير مستفيد من هذا الواقع، بل بدا وكإنه يعيش في عالم آخر، بسبب شيوع ثقافة جديدة، تبنتها بعض القوى السياسية المتنفذة، خلاصتها تقوم على المبدأ القديم، الجديد (ضرب المصالح)! حتى صار عقيدة، يعمل بها هؤلاء ويثقفون عليها، ولعلنا خسرنا الكثير من المشاريع التي لو بدأنا بها منذ عقد او اكثر لكان شكل البلاد، الان، مختلفا .. لم يعرف هؤلاء العقائديون المتحمسون، انهم ينفذون اجندة دول لاتريد للعراق ان يكون خارج مجالها الاقتصادي، والذي لابد من نفوذ سياسي، يمهد له.
وهكذا وجدنا انفسنا ندور في حلقة مفرغة من صراعات لم يجن منها الشعب سوى المزيد من الشعارات والخسائر، ونتيجة للانقسام السياسي الذي نعيشه، شهدنا ايضا دعوات، لضرب مصالح هذه الدولة الاقليمية لصالح تلك، وان لم يكن بشكل مباشر، ولكل منهم مبرراته العقائدية ومشروعه السياسي الذي يراه الافضل ويجب ان يسود! وبالنتيجة، تعطلت الحياة في البلاد وصرنا سوقا للآخرين، لاننا لم نطور صناعتنا وزراعتنا ومرافق الحياة المختلفة التي اكلت عليها السنين وشربت، وانشغلنا بتنفيذ اجندة الاخرين ومصالهم، وتحت عنوان ( ضرب مصالح ...) .. ترى ، هل يعلم هؤلاء، ان العالم اليوم لم يعد عالم الحرب الباردة وثقافتها التي دفعت جميع الشعوب والدول، ثمنها قبل ان تودعها؟ .. اعتقد ان من بيننا من لم يعرف شيئا عن تلك العقود وماقبلها وبعدها .. ولم يعرف شيئا في السياسة يعتد به، وهنا تكمن مصيبتنا الكبيرة، ان لم نستفيق!.
اضف تعليق