الحقيقة دائماً لها وجهٌ واحد فقط، وكل ما يتعدى ذلك يكون أقرب للافتراء والتضليل، يراد به تشويه الوقائع وتزوير المواقف، كوسيلة تخدم مصالح الجهة صاحبة الغاية، خصوصاً أن كانت متمكنة.. لدرجة أنها الممسكة بكرسي الحكم.
لم ينصف التأريخ السياسي، الشيعة بالعموم وشيعة العراق على وجه الخصوص، على مر الزمان أكيلت الاتهامات وزيفت الحقائق، فكانت النتائج استباحة دماءهم قبل حقوقهم، فيما ينعم الآخرين بوهج السلطة ورغيدها.
مع اختلاف الروايات حول أصل تسمية الشيعة، إلا أنها لم ترتقِ للخلاف الدائر حول جذورهم، فالشيعة هم أشياعُ علي (عليه السلام) وأتباعه وأنصاره، وهم منبع الإسلام الحقيقي.
الخلاف حول إطلاق التسمية ووقتها، بين المذاهب الإسلامية، لا زال قائماً، ليس لتوقع نتائج محمودة، وإنما لنخر عظم الإسلام وكسره، فتفسير النبي الأكرم (صلواته تعالى عليه وأله) للآية الكريمة، "إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك خير البرية" [البينة:7]، تفسيره (صلواته تعالى عليه وأله) كان وافياً وكافياً، إذ قال (أنت يا علي وشيعتك) [تفسير الطبري].
مما جاء في أعلاه تجد إن، مفردة الشيعة موجودة في عهد النبي (صلواته تعالى عليه وأله)، وهو الأمر الذي يقطع الطريق أمام أنبياء البدعة والتلفيق، فلا يشك عاقل متبحر بعلم الأصول، بمعتقدات الشيعة وأصولهم وفقههم.
لم يستطع الحكام الذين توالوا على الأمة الإسلامية، إغفال هذه الحقائق، خصوصاً وإن التقية لم تمنع أعلام التشيع من اثبات صحة عقيدتهم، فلجأوا إلى تشويه العقيدة السياسية للشيعة، واتهموهم بأصول جذورهم، فمنهم من قال هم من صنع عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر، وآخرون نسبونا إلى بلاد فارس.
بين هذا وذاك، رمى (المنحرفون عن الإسلام) الشيعة بأبشع التهم، بلغت المغالاة بالتفريق بين المذاهب، لدرجة محاولته سلخ الشيعة من وطنيتهم، نذكر الأمويين وبني العباس وأخرها حكام الفيزا الوهابية.
في العراق، يستوطن الشيعة (أغلبية سكان العراق) محافظات الوسط والجنوب، ورغم أنهم يشكلون العمود الفقري للوطن سواء بعددهم أو بنوعيتهم، إلا أن البعث والوهابية لم يأخذوا العبرة من أسلافهم، ضيقوا الخناق على أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وجاهدوا للتخلص منهم سيما وأن التهمة موروثة، بين اليهودية وتبعية إيران.
استمر الحال هكذا، حتى أصبوحة سقوط الصنم العفلقي، فرض الشيعة أنفسهم هذه المرة، ولغة الأرقام بدت تتحدث بواقعية، أمست المعادلة (الشيعة في الحكم والروايات الموبوءة في تزايد مستمر).
ضريبة الحكم لم تكن صغيرة يمكن اهمالها، بل أن الدماء التي سالت من أنصار الإمام علي (عليه السلام)، بلغت من الكبر ما يمكنها ملء بحور الوفاء والوطنية وحب الوطن، حيث طاف الدم الأسمر شوارع العراق من شماله حتى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.
اليوم، ونحن نعيش ملحمة الفتوى، نجد كثيرٌ من أبناء الوسط والجنوب، يشكلون سفارة الوطنية بكل أبعادها، كيف لا.. وهم يدافعون عن (أنفسنا)، يسترخصون دماءهم في سبيل الخارطة الكبيرة، التي نشكل نحن وهم وأولئك حدود بقاءها.
اضف تعليق