q
ثمة ما يشي أن إدارة ترامب، قررت تغيير قواعد اللعبة مع إيران ديبلوماسية الضغط الأقصى القائمة على سلاح الخنق الاقتصادي، لا يبدو أنها أعطت أوكلها سياسة الصبر الاستراتيجي المعتمدة منذ زمن أوباما، لم تحل دون مواصلة إيران لعمليات التعرض الخشن لمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة...

ثمة ما يشي أن إدارة الرئيس ترامب، قررت "تغيير قواعد اللعبة" مع إيران... ديبلوماسية "الضغط الأقصى" القائمة على سلاح الخنق الاقتصادي، لا يبدو أنها أعطت أوكلها... "سياسة الصبر الاستراتيجي" المعتمدة منذ زمن أوباما، لم تحل دون مواصلة إيران لعمليات "التعرض الخشن" لمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة... فهل جاء دور "الهراوة العسكرية"، علّها تنجح في تحقيق ما أخفقت الاستراتيجيات السابقة في تحقيقه؟

المؤشرات حتى الآن، تقول أن ثمة توجه أمريكي لتغيير "قواعد الاشتباك"... استهداف قاسم سليماني وقادة "الحشد الشعبي" محمّل بالدلالة الطافحة بالنوايا الأمريكية الجديدة... لكن برغم ذلك، يجب توخي الحذر عند التكهن بوجهة السياسة الأمريكية الجديدة، سيما بعد أن تتالت الأنباء عن محاولات أمريكية لاحتواء موجة الغضب الإيراني، وتغريدات الرئيس ترامب نفسه، النافية لوجود أي نيّة لتغيير النظام الإيراني، وقوله إن إيران لم تكسب حرباً ولم تخسر مفاوضات.

ثم، أن هذه الحركة النشطة على القنوات الديبلوماسية الوسيطة، من عُمان إلى قطر، مروراً بسويسرا والصين وغيرها، تشي بأنها تصدر عن "محرك واحد"... وأنها تتكثف وتتفاعل بطلب أمريكي مباشر، يسعى في منع الانزلاق إلى مواجهات أوسع، أو حرب شاملة، لا أحد في واشنطن ولا في طهران يريدها.

نحن لا نعرف شيئاً حتى الآن، عن مضامين الرسائل الأمريكية التي يحملها الوسطاء، إذ لا يكفي أن تقول واشنطن "عفا الله عمّا مضى"، بعد أن وجهت ضربة موجعة لإيران... لا يكفي أن تقتصر الرسائل على "عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل واقعة الاغتيال المزدوج لسليماني والمهندس"، ولا حتى "عرض الاستعداد لامتصاص ضربة إيرانية محدودة" نظير ما حصل في مطار بغداد، ومن باب "حفظ ماء وجه الإيرانيين" كما تقول المصادر.

إن لم تأت واشنطن بمبادرة سياسية كبيرة من النوع الذي يقنع الإيرانيين بأن دماء "رمزهم الجهادي الأبرز" لن تذهب هدراً، فلن تكون هناك استجابة إيرانية لهذه "العروض"، سيما بعد أن انهار "آخر مدماك" في جدار الثقة بين طهران وواشنطن... ما لم تقبله إيران قبل اغتيال سليماني، لن تقبل به بعده.

ما الذي يمكن أن يقنع طهران بـ"ضبط النفس" والامتناع عن توجيه ردود أفعال مُزلزلة كما توعدت؟... ثمة خيارات عديدة يمكن أن تخطر بالبال... أحدها، أن تستجيب واشنطن لقرار محتمل عن الحكومة والبرلمان العراقيين بالانسحاب من العراق... هنا، تكون إيران قد أنجزت معادلة "العراق مقابل سليماني"... أو أن تبدي واشنطن ليونة كبيرة في موضوع العقوبات المفروضة على طهران، أو أن تعود للتفاوض مع إيران في إطار مجموعة "5+1"، للوصول إلى نسخة شبيهة بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه... لا ندري ما الذي يمكن أن يرضي إيران ويهدئ من روعها... ولكن ربما كانت مبادرات من هذا النوع، كفيلة بامتصاص الغضب وخفض حدة التوتر وسحب فتيل الأزمة المتفجرة.

هل ستفعلها واشنطن؟... إن حصل ذلك، فإنها ستكون قد سجلت هزيمة نكراء لإدارة ترامب في سنة الانتخابات... وإن لم تفعل، فإنها ستكون قد غامرت بالتورط في أزمة متدحرجة، قد تقضي على فرص ترامب في السباق الانتخابي... هي معضلة بلا شك... يزيدها تعقيداً، أن إيران على رأس ما "يسمى بمحور المقاومة"، ستسجل خسارة استراتيجية ماحقة، إن هي سمحت لواشنطن بتغيير قواعد الاشتباك من جانب واحد، فهل ستبتلع إيران هذه "الهزيمة" إم أنها ستعمل على ترميم صورتها الردعية وإعادة بناء قواعد اللعبة من جديد؟

كيف سترد إيران، متى وكيف؟

التكهن بنوعية "الانتقام" الذي توعدت به طهران الولايات المتحدة، رداً على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، يبدو نوعاً من "الضرب في الرمل"... لست في موقع التنبؤ بكيفية الانتقام ولا بتوقيته... لكن الأمر المؤكد، أن الانتقام آت لا محالة، وقد يتخذ صورة تتخطى معادلة" رأس مقابل رأس"، وربما يأخذ شكل "بلد مقابل رأس".

المنطقة دخلت في "مزاج" حرب مفتوحة... لم تبق هيئة أركان أو "مجلس أمن وطني"، إلا وعقد اجتماعاً استثنائياً طارئاً... حالة الاستنفار لم تقتصر على العراق... رعايا دول كثيرة، وفي عدة دول، باتوا مطالبين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية على عجل... لغة التهديدات المتبادلة، خرقت جميع السقوف المألوفة... الأيدي على الزناد، ولم يتبق سوى "الضغط" عليه.

لكن مع ذلك، ما زالت القواعد الأساسية الناظمة للاشتباك بين إيران والولايات المتحدة على حالها... كلا البلدين لا يريدان الحرب الشاملة، ويسعيان لتفاديها... حروب الوكالة، بما هي عمليات تعرض وتحرش واغتيال، ما زالت الوسيلة المفضلة لتسوية الحسابات، مع أن وصول التوتر والتصعيد إلى هذه الذروة، يبقي الباب مفتوحاً أمام شتى السيناريوهات وأشدها خطورة.

أين ستضرب إيران، كيف ومتى؟

لا مجال هنا للتكهن، لكثرة الأهداف وليس لندرتها... القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، كما اقترح الحوثي... "اغتيال ضابط امريكي كبير"، كما تقترح أوساط "محور المقاومة"... ضرب أهداف بحرية وقواعد في الخليج.... توسيع دائرة الاستهداف إلى أوروبا وغيرها من الدول البعيدة... جميع هذه السيناريوهات وردت على ألسنة قادة إيران وحلفائها في المنطقة.

لكن إيران، المعروفة بسياسة "الصبر الاستراتيجي"، ستسعى في تحويل "مصابها الجلل" إلى "نصر استراتيجي"... هنا، وهنا بالذات، يمكن القول أن إخراج واشنطن عسكرياً وسياسياً من العراق، سيحظى بالأولوية الأولى للسياسة الإيرانية، ومن ضمن معادلة "بلد مقابل رأس"... مقتل أبو مهدي المهندس في العملية الأمريكية التي أودت بسليماني، سيحفّز مناهضي واشنطن وأعدائها في العراق، لتكثيف مطالباتهم لإنهاء الاتفاقات الناظمة للوجود الأمريكي في العراق، وسيجعل من العراق شاء العراقيون أم أبوا، ساحة رئيسة للانتقام الإيراني، ولردود الأفعال المتبادلة بين الجانبين.

الأزمات المفتوحة الأخرى في المنطقة ستشهد تصعيداً خطيراً، وتجاوزاً –ربما غير مسبوق– ما لم تنتبه الأطراف لخطورة المشهد، وتسعى في تجنيب بلادها تداعيات الصراع الأمريكي وانعكاساتها... اليمن، أكثر من غيره مرشح للتصعيد، سيما إن استمرت حالة المراوحة السياسية والدبلوماسية... وثمة مناخات تصعيدية بين الأفرقاء المصطرعين في اليمن، جراء هذه المراوحة، تسمح بالتكهن بالتصعيد، واستنفاذ جعبة "الأهداف الاستراتيجية" التي كشف عنها الحوثي في السعودية والإمارات مؤخراً.

سوريا، وتحديداً شرق الفرات، يمكن أن تتحول إلى ساحة من ساحات رد الفعل والانتقام... الوجود الأمريكي في هذه المنطقة، بات يشهد عمليات "تعرض خشن" في الآونة الأخيرة، ومن المرجح أن تتواصل هذه العمليات وتتصاعد، وثمة مروحة واسعة من القوى والمليشيات في تلك المنطقة، وعلى مقربة منها، تسمح بتنفيذ عمليات استهداف منهجية، منظمة ومستمرة.

من غير المرجح، أن تكون غزة أو لبنان، ميادين لتصفية الحسابات، بالنظر للظروف الخاصة التي تعيشها أطراف "محور المقاومة" في هذين البلدين، الأرجح أن خروج حزب الله وحماس عن "هدوئهما" قد يتم في إطار مواجهة استراتيجية شاملة (ونهائية)، لكن من غير المحتمل أن يبدأ الانتقام الإيراني من بيروت أو غزة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق