اللوحة الإبداعية التي رُسمت بساحات التظاهر برهنت ان العراق لا يزال يزخر بالكثير من الطاقات الشبابية والمواهب البشرية التي لو تم استغلالها بالشكل الأمثل من المؤكد ستخرج البلاد من بركة اليأس التي قبعت فيها، لكن علينا ان نعلم ان هذا لم يتم بهذه البساطة والمهمة...
في كل حراك شعبي تبرز للوجود الكثير من الطاقات الشبابية، فساحة الاعتصام في العاصمة بغداد وكربلاء وغيرها من المحافظات العراقية أصبحت ولادة بالطاقات الشبابية، فمجرد النظر للمشاركين تعرف حجم الطاقات الكامنة في الخيام المنصوبة بشكل دائم.
حين تتجول في احد الشوارع بالفترة القليلة المنصرمة ترى الجمال متناثرا في شتى الارجاء، اصوات الموسيقى تنبعث من بعض الامكان، وتصدح حناجر الشعراء بالقوافي المعبرة عن الروح الثورية، كذلك نجد الرسام يطوع فرشاته لتجسيد الجمال الذي يختلج في مخيلته، هؤلاء جميعا جمعهم حب الوطن وغذتهم النخوة العراقية.
فيما سبق لم نكن نعلم ان الشباب المنتفضين يحملون هذه الأفكار الوضاءة والعقول المستنيرة، وفي الحقيقة لم يكن تحليهم بهذا المستوى الثقافي حدث مفاجئ كونهم انحدروا من سلالة حمورابي ونبوخذ نصر فهم ابناء السلف الذي حير العالم وأبهر الدنيا بأنجازاته وسجل اسمه في مقدمة الركب الحضاري.
لا يمكن لاحد ان يقلل من قيمة ما لدى الجموع المنتفضة من افكار شبابية واعية، فكل ما تبين خلال تلك المظاهرات الأخيرة ان الشعب العراقي شعب ولاد ويحب الحياة، فهولاء بخروجهم اثبتوا انهم احياء وسيبقون احياء مهما حصل ورغم كل ماجرى.
ما وقعت به الحكومات المتعاقبة من خطأ وعلى مدار السنوات التي عقبت تغيير النظام هو تجاهل تلك الطاقات المتقدة والنفوس التواقة للحياة والجمال، فهي وعلى مدى سنوات تعمدت في وأد تلك الروح الحماسية التي تقطن في الذات الشبابية وجعلهم يعيشون على الهامش، اذ من الملاحظ جعلوا المواطنين لا يقوّن على عمل شيئ، عطلوا منابع الابداع لديهم ومنعوهم من الحلم بواقع افضل وحياة تستحق العيش وكل هذا لم يكن بمحض الصدفة بل حدث بوعي كامل وتخطيط مدروس على ابعد المستويات.
كم هو مهم لو تم استثمار تلك الطاقات الشبابية ومنعها من الهدر كما هدر المال العام دون خوف من خالق أو شعب مسكين جل همه توفير قوت يومه وعدم الشعور بالذل والمهانة اذا ما أراد توفير مستلزمات أسرته، لكن وللأسف شيئ من ذلك لم يحدث فالكل شارك بتخريب البنى التحتية في البلاد ويبدو لم تكن في النية إصلاح ما تم تخريبة على مدى عقود.
في كل بلد يسعى رؤساءه إلى النهوض به وتحقيق الرفاهية المجتمعية والاقتصادية يقمون باستثمار شريحة الشباب، ويجعلون منها الدعامة الرئيسية التي يحاربون بها الظروف ويصنعون المستحيل، ولنذهب صوب ارض الكنانة نجد الحكومة جل صبت اهتمامها على تلك الشريحة عبر توفيرها المرافق التي تتماشى واهتمامهم وتحقق رغباتهم من نوادي رياضية وأخرى ترفيهية وبالمقابل ضمنت بذلك عدم تقربهم من السلطة طالما هم ينعمون بنسبة معينة من الاهتمام والرعاية.
ما حصل في العراق لم يحدث الا في القليل من البلدان فبمجرد التخرج ينضم الفرد إلى طابور العاطلين أو المعطلين قصرا، هذا إلى جانب الملايين ممن لم يسعفهم الحظ لإكمال مسيرتهم الدراسية، كل هذه عوامل جعلت الشباب يفقدون الأمل في عيش حياة تلبي ادنى رغباتهم وجعلت من اليأس يخيم عليهم.
اللوحة الإبداعية التي رُسمت بساحات التظاهر برهنت ان العراق لا يزال يزخر بالكثير من الطاقات الشبابية والمواهب البشرية التي لو تم استغلالها بالشكل الأمثل من المؤكد ستخرج البلاد من بركة اليأس التي قبعت فيها، لكن علينا ان نعلم ان هذا لم يتم بهذه البساطة والمهمة ليست كما نتصور فلابد من وضع الخطوط العريضة والسياسات المفيدة والضامنة لانجاح هذه الرؤية وتحقيقها على ارض الواقع.
ما يحمله الشباب من همة عالية وعنفوان التطلع لمستقبل افضل من الواقع المعاش بات واضحا في الحراك الجماهيري الذي نشب في العراق مع بداية شهر اكتوبر ولغاية اللحظة، فليس من المعقول ان يستمر تجاهل تلك الطاقات الواعدة دون تخطيط سليم يضمن استثمارها بالشكل الذي تقتضيه المرحلة الحالية، فالبلد يمر بأزمة حقيقة ولابد من تصويب الأنظار نحو هذه الثروة الوطنية، كون من ابدع في تجسيد الجمال في بالطرقات العامة وعلى المجسرات الحكومية، لا يصعب عليه اي مسؤولية أو إدارة مرفق ما وإتمام الأعمال بالشكل الأمثل دون كلل أو ملل.
اضف تعليق