حين انطلقت التظاهرات جرى التأكيد على انها سلمية، وعفوية، وبدون قيادة مركزية الخ. مع قائمة طويلة من الاهداف والمطالب الخدمية والسياسية، على مستوى الدولة وعلى مستوى المحافظات، مع ملاحظة غياب التظاهرات عن مناطق مهمة في العراق ذات صبغة قومية او مذهبية خاصة...
من دروس التاريخ المهمة، ان الحراكات الاجتماعية (ثورات، انتفاضات، تظاهرات احتجاجية الخ) يمكن ان تنحرف عن مسارها السليم وتنزلق في منحدرات خطرة تتناقض مع طبيعتها (السلمية) واهدافها البعيدة (الديمقراطية وحقوق الانسان). ودائما يجري الاستشهاد بالثورة الفرنسية في تموز عام ١٧٨٩ التي رفعت شعارات الحرية والاخاء والمساواة ضد الفساد والاستبداد، مسترشدة بابي الديمقراطية في العصر الحديث، الفيلسوف جان جاك روسو صاحب الكتاب الشهير "العقد الاجتماعي" الذي مثل انجيل الثورة الفرنسية. لكن كل ذلك ذهب ادراج الرياح ودخلت فرنسا في حقبة تاريخية كتبت فصولها بالدم والارهاب والاعدامات الجماعية وتذبذبت بين الجمهورية والملكية حتى استقرت اخيرا على يد ديغول في جمهوريته الخامسة عام ١٩٥٨.
ولا توجد ضمانات من عدم انحراف الحراكات الاجتماعية وانزلاقها الى غير ما خطط لها او ما كان مأمولا منها. وذلك لان الظواهر الاجتماعية ليست من النوع الذي يمكن التحكم بكل تفاصيلها ومنعطفاتها. انها ليست كالتجربة الكيمياوية التي تجري في المختبر. انما هي سلسلة احداث وتطورات يتعدد فيها الفاعلون الاجتماعيون وتتنوع اهدافهم وتختلف اراداتهم ولا يمكن السيطرة على مجرياتها والتأثير على نتائجها في المطلق، وتبقى مفتوحة على مختلف الاحتمالات والتوقعات.
انطلقت موجة الاحتجاجات الشعبية الراهنة في الاول من اكتوبر (تشرين الاول)، ولكن جرى التمهيد لها قبل ذلك بفترة. وقبل ذلك باشهر نشرت مقالا قلت فيه: "يتمثل الشكل الاولى للتظاهر في كونه وسيلة احتجاجية لاظهار عدم الرضا عن امر ما. ولهذا قد يرافق التظاهر الاحتجاجي اعمال تصفها السلطات الرسمية في البلد بانها مخالفة للقانون مثل قطع الطرق او اقتحام الممتلكات الخاصة او المباني الحكومية او احراقها الخ. وهذا يسمح لنا بالقول بان هناك امكانية في ان يساء استخدام هذا الحق، كما في اية حالة اخرى. فان مشروعية الحق شيء وممارسة هذا الحق شيء اخر. وشرعية الحق ليست غطاء لكافة اشكال ممارسته، انما يجب التاكد دائما من سلامة ممارسة الحق باشكالها المختلفة".
وحين انطلقت التظاهرات جرى التاكيد على انها سلمية، وعفوية، وبدون قيادة مركزية الخ. مع قائمة طويلة من الاهداف والمطالب الخدمية والسياسية، على مستوى الدولة وعلى مستوى المحافظات، مع ملاحظة غياب التظاهرات عن مناطق مهمة في العراق ذات صبغة قومية او مذهبية خاصة.
وفي مجرى التظاهر اخذت ظواهر سلبية بالتجمع. في مقدمة هذه الظواهر الصدامات بين المتظاهرين وقوى الامن، وسقوط شهداء من الطرفين، والاستخدام المفرط للقوة، ووجود اطراف تؤجج الموقف وتصب الزيت على النار، وحرق المباني الحكومية والاهلية. وفي هذا المقطع، لابد من التاكيد على ضرورة ضبط النفس من قبل القوى الامنية، وضرورة تطهير صفوف المتظاهرين من المخربين الذين يندسون او يلتصقون بهم سواء في الشارع، حيث يجري التظاهر، او بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تثير الضغينة والاحقاد الطائفية والعرقية بين ابناء المجتمع.
ولكي تحيط التظاهرة نفسها بسياج يحميها من التخريب، فانه من الضروري جدا الاسراع بتوفير الامور التالية:
اولا، رفض وادانة كل اعمال التخريب والحرق والاعتداء والنأي بالنفس عنها لعزل من يقوم بها.
ثانيا، اعلان هيئة قيادية او ناطقية للمتظاهرين باسماء اشخاص معروفة يمكن التواصل معهم.
ثالثا، تحديد هدف مركزي او اهداف مركزية قليلة ومكثفة وعدم توسيع قائمة المطالب والاهداف.
وسبق ان طرحت ان الاهداف على ثلاثة مديات هي: الاهداف العاجلة، والاهداف متوسطة المدى، والاهداف بعيدة المدى.
واقترحت ان يكون الهدف العاجل هو تشريع قانون الانتخاب الفردي، واعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، وتطبيق المادة ٦٤، واجراء الانتخابات خلال ستين يوما من حل مجلس النواب.
اضف تعليق