اذا كانت السلطة نفوذا يمارس بشكل يتماشى مع القانون، فبالإمكان ان نسال هنا: ماهو الشيء الذي يميز القانون؟ البديل للقانون مثلما يؤكد هوبز توماس هو العنف والفوضى، وان وجود اي قانون مهما كان نوعه افضل بكثير من عدم وجود قانون على الاطلاق. ومع ذلك لايميل كثير من الناس الى ربط القانون بالنظام فقط، بل بالعدالة ايضا. فيجب ان يشتمل القانون في نظر كثير من الناس على بعد اخلاقي لكي يصبح قانونا مقبولا، بمعنى انه يجب ان يتحلى النظام الذي نفرضه بالقانون بطبيعة اخلاقية يمكن الدفاع عنها.
ولكن ماهي الامور التي تميز المجتمع العادل؟ هذا السؤال هو احد اقدم الاسئلة في النظرية السياسية التي طرحته اولى النصوص الرئيسة القديمة في النظرية السياسية (الجمهورية) لافلاطون. والتي يمكن اثارة النقاش حولها من خلال ماقدمه كل من جيرمي بينثام عالم القانون والفيلسوف الإنكليزي صاحب المذهب النفعي، وجون رولز الفيلسوف الامريكي واحد منظري ومؤسسي الليبرالية الجديدة ذات الميول الاشتراكية.
قدم افلاطون اجابته على انها حوار بين معلمه سقراط وبعض اصدقائه وزملائه، واقتبس احد الاصدقاء مقولات معلم منافس (سيمونيدس) بان العدالة هي ان تعطي كل الخير للأصدقاء والشر للأعداء، وهذا تعريف مرفوض لانه اذا كان اعداؤنا رجالا صالحين، فذلك سيكون امرا غير اخلاقي. كما ان مزيدا من اعادة تكوين هذه الفكرة يجعلها تبدو منطقيا غير قابلة للدفاع عنها. عند هذه النقطة يقدم زميل اخر، (ثرازيماخوس) ما يعتبره رأيا واقعيا ينص على ان العدالة هي (مصلحة الاقوياء). فهو يبرهن عن وجهة نظره المتناقضة تناقضا واضحا من خلال تعريف العدالة وربطها بتنفيذ القانون، ويؤكد ان الاقوياء هم الذين يهيمنون على الحكومة في اي دولة ويحكمون بالطريقة التي تقتضيها مصالحهم الخاصة (وهذا وصف لنظرية النخبة التي مازالت تحتفظ بانصارها حتى يومنا هذا).
تبدأ المناقشة على مستوى الاخلاق الفردية، هل ستؤدي العدالة الى السعادة الفردية، وهل سيؤدي الظلم الى التعاسة؟
ومع ذلك اعتبر سقراط ان العدالة يمكن ان تفهم بطرق واضحة على مستوى الدولة. ففي الدولة المثالية ثلاثة انواع من الادوار التي يجب ان تؤدى: فالاول يقتضي توجيه الدولة وارشادها على يد اكثر المواطنين حكمة وفصاحة، الاوصياء. والثاني: الدفاع عن الدولة التي يجب ان يقوم به اكثر الرجال شجاعة وحماسة، المساعدون. واما الدور الثالث: وهو انتاج الاشياء الضرورية فيضطلع به بقية الشعب، المنتجون.
تكمن العدالة في الانسجام بين جميع اجزاء المجتمع، وهو ما يتحقق بقيام كل شخص (انسب الناس لهذا الدور) بدوره على اكمل وجه (وعلى نحو مشابه، فالرجل العادل هو الذي يحافظ على التوافق بين العقل والروح والشهوة في تكوينه). وبذلك تتم العودة الى مفهوم سيمونيدس عن العدالة بإعطاء كل فرد حقه، ولكن بفكرة اكثر وضوحا مما يستلزمه الامر.
يمكن تفسير هذه النظرية بانها محافظة جدا، اذ انها تؤيد مجتمعا سلطويا هرميا تعكس فيه التقسيمات الطبقية التقسيم الطبيعي للمواهب بين السكان ويمارس الدعاية والرقابة. فهناك بعض المفاهيم الضمنية في سرد افلاطون ذات نزعات راديكالية. فعلى سبيل المثال يؤيد افلاطون بشكل ضمني وجود فرص تعليم متساوية للرجل والمرأة، وان يتم اختيار الفلاسفة الحكام على اساس الجدارة، وليس على اساس الاصل والنسب.
على النقيض من ذلك، تستند وجهات نظر بينثام حول تحقيق العدالة في الدولة الى افتراضات عديدة مختلفة. وكان معياره الوحيد في تطبيق النظام القانوني العادل هو (انه على المشرعين التماس مافيه مصلحة اكبر عدد ممكن). واضافة الى ذلك، فقد وضع الافتراض الديمقراطي الراديكالي بانه لايحق للفلاسفة تقرير القيم التي يجب ان تتبعها الدولة وان يقيموا الدولة طبقا لمدى تطبيق الدولة لهذه القيم. وناقش بينثام ان الطريقة الامثل للتأكد من ان المشرعين يعكسون وجهات نظر سكان الدولة هو ان يتم اختيارهم عن طريق الاقتراع العام. وبذلك فان العدالة توجد في المجتمع الديمقراطي الذي يحترم المساواة الاخلاقية للأفراد الذين يكونون نسيجه.
وتعتبر نظرية العدالة لرولز من اكثر الاعمال شهرة التي انتقدت وجهة نظر بينثام التي يمكن القول انها سيطرت على المناقشات في القرنين التاسع عشر والعشرين.
يطرح رولز وجهة نظر عن العدالة بطريقة تعالج اوجه القصور الموجودة في النظرية النفعية. وبذلك يمكن ان تبين ان احراج عدد من الافراد المحظوظين في برنامج تلفزيوني يمكن ان يسعد الملايين من المشاهدين، وبذلك سنحقق السعادة لأكبر عدد ممكن، الا ان قلة سيكونون على يقين بان هذا كان امرا عادلا. كما انه ليس من السهل مقارنة الخبرة الذاتية للناس الخاصة بالمنفعة. فاسلوبه يقضي بدراسة ماهية المبادئ التي يمكن ان يتبناها صناع السياسة العقلانيين في حال كانوا على اطلاع واسع بالطبيعة البشرية وبالمجتمع، ولكن لايوجد لديهم ادنى فكرة عن الدور الذي يؤدونه في المجتمع او حتى الاهداف التي يرغبون في تحقيقها، وهو مايطلق عليه رولز (حجاب الجهل).
يخلص رولز الى ان العدالة تبرز في مبدأين اساسيين: الاول هو ان لكل شخص حقا متساويا في النظام الكلي للحريات الاساسية يتوافق مع نظام حرية مماثل للجميع.
والثاني هو ان يتم تنظيم الحريات الاقتصادية والاجتماعية بالطريقة التي تحقق (1) الافادة القصوى من الاشياء الاقل افادة. (2) وان تكون كل الوظائف والمناصب المرتبطة بها متاحة للجميع طبقا للشروط التي يفرضها مبدأ تكافؤ الفرص. ويحظى المبدأ الاول بأولوية مطلقة عن المبدأ الثاني. والمنطق في ذلك هو انه اذا لم نعرف المناصب الاجتماعية التي نشغلها او الاهداف التي نسعى لتحقيقها، فاننا نريد ان نكون على يقين بانه يمكن لأي شخص ان يحقق اي هدف، وان احدا لن يكون ضحية من اجل الباقين.
اضف تعليق