مهما كانت الطبقة السياسية مدعومة من الخارج، ومهما كانت تتمتع بقوة كبيرة تصعب هزيمتها، فلا يمكن تحقيق المطالب الشعبية الا من خلال الشعب نفسه، وبقرار عراقي يرفض أي تدخل أجنبي من أي نوع كان، امريكي او إيراني، لان الدول التي تريد بناء أسس رصينة لمؤسساتها لا تخضع للخارج اطلاقا...
منذ مدة ليست بالقصيرة نسمع من قيادات سياسية عراقية (اغلبها سنية) تدعو الى تدويل الازمة العراقية كمحاولة أخيرة لإصلاح الوضع العام في البلاد، وإعادة التوازن لمؤسسات الدولة التي لا تُعجب القيادات تلك، وقبل التظاهرات التي انطلقت في شهر تشرين الأول اعيدت فكرة تدويل الازمة العراقية من قبل بعض الشخصيات الفاعلة في الساحة السياسية السنية.
في اغلب الحالات يشار الى طرح الملف العراقي في الأمم المتحدة والدعوة لمشاركة دولية في إدارة الملف العراقي لحين إصلاحه، في هذه الحالات يكون الطرح نوعا من التهديد من اجل فرض واقع سياسي يصب في صالح بعض الأطراف التي فقدت مكانتها ومواقعها في ظل التغيرات التي تحدث مع كل انتخابات نيابية، وبين فترة وأخرى حسب تطور الظروف كما حدث بعد انسحاب القوات الامريكية عام 2011، او بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل والرمادي وتكريت وديالى.
في البداية لا يمكن النظر الى هذه الدعوات خارج اطار الصراع السياسي الداخلي والذي يستقوي دائما بالفاعل الأجنبي، فهناك الولايات المتحدة الامريكية التي تملك عددا لا بأس به من الحلفاء داخل البرلمان والحكومة العراقية ومؤسساتها الرئيسية، وهناك أيضا ايران التي تملك نفس عدد حلفاء أمريكا وربما ضعف ذلك بحكم قربها الجغرافي وعلاقاتها الثقافية وطبيعة تحالفاتها التي لا تحكمها اية معايير سوى تحقيق أهدافها في العراق.
ومع تأخر الحكومة في الاستجابة للمطالب الشعبية التي رفعت في ساحات التظاهر منذ تشرين الأول وحتى الان، لا تبدو الحكومة انها تريد الاستجابة لهذه المطالب، لانها حكومة لا تخشى من الشعب، ولا تتاثر الا بجزء يسير مما يدور في الساحات، انها حكومة تستمد قوتها من الدعم الخارجي، بمختلف توجهاته، لذلك نجد من يطرح فكرة الهندسة العكسية لما يجري في الاروقة السياسية، أي الاستفادة من الدعم الخارجي لزحزحة الحكومة عن موقعها، فمثلما جاءت الولايات المتحدة وازاحت نظام حزب البعث الديكتاتوري، يمكن اليوم الاستفادة ولو جزئيا من الرغبة الامريكية في محاربة النفوذ الإيراني ومن ثم ضرب عصفورين، الأول التخلص من حلفاء ايران الذين يمارسون الفساد بشكل كبير، فضلا عن الحصول على مظلة دولية داخل الأمم المتحدة ومجلس الامن بحكم القوة التي تتمتع فيها الولايات المتحدة الامريكية.
لكن هل الولايات المتحدة منظمة خيرية لتقوم بالتغيير السياسي الديمقراطي الحر لصالح الشعب العراقي؟
بالتأكيد لا، فمن السذاجة الاعتقاد ان ما تدعو له واشنطن سوف تقوم بتطبيقيه على ارض الواقع، الولايات المتحدة الامريكية لم تناصر قضايا الشعوب المحرومة اطلاقا، فهي التي اجهضت حلم الاكراد اكثر من مرة رغم ما قدموه من تعاون غير مسبوق معها على امل ان تعينهم على تحقيق ما يصبون اليه بانشاء دولة مستقلة، وهي التي استطاعت تدمير نظام معمر القذافي في ليبيا بحجة مساندة الشعب لكنها تركت هذا الشعب يواجه مصيره، وهي التي دعمت ديكتاتورية حزب البعث، وهي التي تدعم اليوم وبشكل علني الديكتاتورية العربية المتبقية، فما دام الديكتاتور مواليا للولايات المتحدة فهو حاكم صالح ويجب على الشعب ان لا يتحدث عن مصطلحات الحرية والديمقراطية، بمعنى ان فكرة مناصرة الديمقراطية هي تعبير عن وسيلة أمريكية لتحقيق اهداف مبطنة، وان واشنطن يمكن ان تدعم أي حاكم في العراق ما دام يحقق مصالحها، ويمكن ان تعود لدعم الفاسدين بشكل اقوى، لمَ لا وهي التي أسست نظام الفساد والمحاصصة منذ عام 2003 وحتى الان.
الولايات المتحدة الامريكية لا يمكن الوثوق بها، ولا يمكن الاستفادة منها في دعم مؤقت، فهي ان سُمِحَ لها بالدخول في التظاهرات ضد الحكومة، فانها لا تدخل الا وفق الشروط التي تناسبها، كما انها يمكن ان تستخدم نفوذها الجديد من اجل فرض شروطها على الدول الأخرى، ويمكن ان تبيع التظاهرات برمتها اذا ما وجدت صفقة افضل، فقد دعمت في البداية المطالب الشعبية في سوريا عام 2011، لكنها تخلت عن الشعب السوري، وباعت قضيته لصالح روسيا وايران وتركت الشعب السوري يلاقي مصيره بين القتل والتشريد في الدول المجاورة والدول الاوربية.
مهما كانت الطبقة السياسية مدعومة من الخارج، ومهما كانت تتمتع بقوة كبيرة تصعب هزيمتها، فلا يمكن تحقيق المطالب الشعبية الا من خلال الشعب نفسه، وبقرار عراقي يرفض أي تدخل أجنبي من أي نوع كان، امريكي او روسي، او فرنسي او إيراني...الخ. لان الدول التي تريد بناء أسس رصينة لمؤسساتها لا تخضع للخارج اطلاقا، واي لحظة يتسرب فيه الشعور بالحاجة للخارج فهذه بداية السقول والانهيار، وما اكثر شواهد الانهيارات التي تعرض لها العراق، واخرها عام 2003، عندما تم التصفيق للامريكي باعتباره المنقذ، ومن المفارقات تكون هناك بعض الدعوات لتهديم النظام الحالي بالفأس الأمريكي.
اضف تعليق