لو سألت المتظاهرين في جميع انحاء العراق عن اكثر شيء يخافونه، فلن يكون الجواب انهم يخافون من قوات الامن كما يعتقد البعض، ولا يخشون من الاجراءات الحكومية التي تضيق الخناق عليهم مثل حجب مواقع التواصل او الانترنت، اكثر شيء يزيد من منسوب الخوف لدى المتظاهرين هو...
لو سألت المتظاهرين في جميع انحاء العراق عن اكثر شيء يخافونه، فلن يكون الجواب انهم يخافون من قوات الامن كما يعتقد البعض، ولا يخشون من الاجراءات الحكومية التي تضيق الخناق عليهم مثل حجب مواقع التواصل او الانترنت، اكثر شيء يزيد من منسوب الخوف لدى المتظاهرين هو ولادة قائد للتظاهرات.
هذه الفوبيا لدى المتظاهرين من القيادة لها اسبابها، فالقائد يعني انه سوف يتفاوض مع الحكومة، وهذه العملية تعني تقديم بعض التنازلات، وربما التنازل عن جميع الحقوق مقابل حصول قادة التظاهرة على بعض الامتيازات من الحكومة سواء مناصب او اشياء اخرى، وقد لا يتفاوض القادة لكنهم قد يكبلون التظاهرات بطريقة اخرى، فهم قد يتعرضون الى ضغوطات من احزاب او جماعات مسلحة ما يدفعهم اما للانسحاب الفردي او الدعوة للتريث والتوقف المؤقت عن التظاهر.
هذا اذا انبثقت القيادة من المواطنين الذين خرجوا ضد الحكومة، وهناك قادة من خارج التظاهرات، باتوا يعرفون بالمتسلقين، الذي يركبون الموجة، هم مجموعة من الاحزاب لديها وزراء وحصص في الدرجات الخاصة ونفوذ واسع في الحكومة، لكنهم لا يريدون ان يخسروا صورتهم كاحزاب ولدت من رحم الشعب كما تروج لنفسها، هذا النوع من الاحزاب يستفيد من التظاهرات في اتجاهين، في الاتجاه الاول يظهرون على انهم مع الشعب ويعيشون معاناته، ويرفعون مطالبه للجهات الحكومية رغم انهم جزء من الجهاز الحكومي، وفي الاتجاه الثاني تستخدم هذه الاحزاب التظاهرات كورقة للحصول على مكاسب سياسية على حساب الكتل السياسية الأخرى.
هنا بالتحديد، اكتشف المتظاهرون ان هناك عملية متاجرة بمطالبهم، وعرفوا جيدا ان من يزعم الوقوف مع التظاهرات ليس الا مسؤول عن الحالة السيئة للوطن ويحاول القفز من المركب والنجاة بنفسه قبل انقلابه في بحر المطالب الشعبية ما جعل الجماهير تطالب جديا بعدم دخول اي جهة سياسية معها مهما كان توجهها، واصبح المطلب الاول ان تكون التظاهرات شعبية خالصة وبدون اي قيادة قد تتفاوض او تخضع للحكومة او قيادة حزبية تسرق التظاهرات.
لكن هذا الوضع جعل اي تظاهرة شعبية امام مخاطر جديدة لا تقل شأنا عن خطورة الطفيليات السياسية المحلية، فالخطورة تاتي اليوم من الخارج، عندما يتم توجيه الكونترول من دول اخرى، فنحن نعلم ان العراق اليوم هو جزء من صراع دولي كبير، وهناك تحركات من اجل الظفر بالساحة العراقية وابسط طريقة لسحب البساط، هو ان تقوم الدولة (أ) باستخدام الهيجان الشعبي من اجل استهداف نفوذ الدولة (ب)، ولا يمكن ان نحدد اي دولة قد تحاول الدفع في هذا الاتجاه لكن المؤكد للجميع ان هذه الدول تتصارع على العراق وتستخدم اي وسيلة من اجل ضرب نفوذ خصومها. نحن هنا لا نتهم التظاهرات بالخضوع للخارج، بل هناك مطالب شعب لا ينكرها أي شخص، نحن هنا نحذر من بقاء التظاهرات من دون قيادة ما يجعلها عرضة للسرقة، فالقيادة تحميها وترصد الأخطاء وترصد أي شخص يحاول سرقتها.
قد يقلل الشباب الغاضب من هذه الفرضية لانه قد سئم من سماع نظرية المؤامرة التي تطلقها الحكومة، او الاحزاب المشاركة فيها تجاه اي نشاط شعبي يطالب بالحقوق الاساسية كالخدمات وفرص العمل، وبالفعل نتفق على ان هناك افراط في استخدام نظرية المؤامرة، لكن لنطرح السؤال على المتظاهرين، ماذا لو كانت هناك دول تدفع بعملائها في التظاهرات سواء كانت تلك الدول مع التظاهرات لتاجيج الشارع او ضد التظاهرات عبر دس عملائها للقيام باعمال الشغب وبالتالي تبرير قمعها حكوميا.
علينا ان نستفيد من التجارب السابقة، فمثلما كانت هناك احزاب تركب موجة التظاهرات، وقد انكشفت امام الشعب، يجب الحذر من ان هناك دول تريد استخدام التظاهرات لتحقيق مصالحها او قد تقوم باستغلال الفراغ القيادي من اجل ضربها وافشالها، وبالحالتين يعني الحاجة الى نوع من القيادة المركزية للتظاهرات، قيادة تحظى بثقة المتظاهرين ويتم تحديد مهامها بدقة، وتوضع شروط لعملها وتراقبها لجان خاصة، تقوم بالرصد والتحليل لكل الأنشطة الشعبية وفرز المشبوهة منها، بهدف معالجة الثغرات، اما اذا بقيت الجماهير متمسكة بخيار الغاء القيادة فهذا خطأ جديد يجعل من عملية القضاء عليها اكثر سهولة.
اضف تعليق