العراق هِبَةُ الجغرافيا، قبلَ أنْ يكون هِبَة التاريخ، ومع ذلك فإنّ \"محطّاتنا\" تُصارِعُ عُزلتها، وتتطلّعُ إلى جيلٍ جديدٍ، في هذا السياق يعرِضُ علينا كاظم فنجان الحمامي (وزير النقل السابق، والنائب في البرلمان العراقي حاليّاً كتابهُ ماوراء الأفق (قراءة فاحصة في نوافذ العراق على العالم، وسبل الخروج من العزلة...
العراق هِبَةُ الجغرافيا، قبلَ أنْ يكون هِبَة التاريخ، ومع ذلك فإنّ "محطّاتنا" تُصارِعُ عُزلتها، وتتطلّعُ إلى جيلٍ جديدٍ، جيلٌ لا يغفِر الأخطاء، ويتفَحّصُ مصادرَ التطوّر والرُقيّ، وينكئها من الجذور، ويصبوا إلى وضعٍ أفضل في كُلّ شيء.
في هذا السياق يعرِضُ علينا كاظم فنجان الحمامي (وزير النقل السابق، والنائب في البرلمان العراقي حاليّاً) كتابهُ : ماوراء الأفق (قراءة فاحصة في نوافذ العراق على العالم، وسبل الخروج من العزلة).
وكما عوّدنا الحمامي في كتاباته الثرّة والغزيرة (قبلَ أنْ تأخذه "الوزارة" إلى دهاليزها، ومتاهاتها العميقة)، فإنّهُ يبتكرُ في هذا الكتاب لغةً للتواصلِ معنا، لغة تليقُ بذلكَ الفراقُ "الجنوبيّ" العذب، والحزين، والواخز، بين الآباءِ والأبناء، وبين ذرّات التراب العالقةِ في المُخيّلة، لغة تحاولُ أنْ تُضيء بيقينٍ كامل، وغير زائف، روحَ الرجاءِ بغدٍ أفضلَ لهذا العراق، ولأهلهِ النبيلونَ .. الفقراء .. الطيّبون.
كتبَ الحماميّ الكثير من المقالاتِ والنصوص والدراسات، حول الكثير من الموضوعات والقضايا الهامّة، قبل أنْ يصبحَ وزيراً في النصف الثاني من عمر الحكومة العراقية السابقة، كتبَ ما لم يكتبهُ أحدٌ غيره (على حدّ علمي)، دفاعاً عن كلّ ذرّةِ رملِ وقطرة ماءٍ على امتداد العراق. كتبِ ذلكَ يومَ لم يكُنْ أحدٌ يجرؤُ أن يكتبَ عن صلةَ ذلك كلّه بدول الجوار، وبالقوى النافذة المرتبطِة بها، بشجاعةٍ لا تتوفرُ للكثيرين، وبغيرةٍ على خيراتهِ ومواردهِ المهدورةِ والمُستباحة، من زاخو إلى الفاو، قلّ نظيرها في هذا الزمن الصعب.
ولا أدري عدد الناس الذين كانوا يعرفونهُ، ويقرأونَ لهُ (أو يُتابعونَ كتاباته) طيلةَ خمسين عاماً كان يقراُ فيها، ويكتبُ، وما يزال، وعندما جاء من "الجنوب" المُلتَبِس، والمخذول، والمُستَلَب، كانَ في نيّتهِ أن يصبحَ "وزيراً للفقراء" في بغداد (هكذا قال لي يومها). تُرى ما الذي حدث لهُ بعد ذلك؟ سأتركُ الأجابةَ لهُ وحده، فهو الأكثرُ قدرة على سرد تلكَ التفاصيل "العجيبة" من أيّ مصدرٍ آخر.
وبعدَ حديثه المثير للجدل عن مطار الناصرية، وعن أحلامِ السومريين بالوصول إلى أبعدِ نجمةٍ على حدود المجرّات، وبعد "أحلامهِ" المستحيلةِ عن "الأنفاق" التي يمكن ان تربط العراق بأقصى نقطةٍ في شمال كوكب الأرض .. بعد هذا كُلّه .. وفي تلك اللحظات فقط، اكتشفَ العراقيّون (لأسبابَ شتّى) كاظم فنجان الحمامي .. هذا "البصريّ" الفقير الذي أصبحَ وزيراً، وبدأ يهذي . نعم . ألَمْ نقل لكم أنّ "الجنوبيّين" لا يصلحون لـ "للوزارة"، وعندما يتمّ استيزارهم يبدأون بالهذيان ( من هول الصدمة، أو هول المفاجأةِ .. لا فرق)، خلافاً لوزراء بغداد، و "حواضر" العراق الأخرى !!!!!.
حسنٌ أيّها السادة، كان هذا هو كاظم فنجان الذي تريدونَ أنْ تعرفونه (كما تشتهونَ أن تعرفونه)، أمّا الآن فها هو كاظم فنجان الذي ترفضون أن تعرفونه (كما هو، وكما ينبغي أن يكون، وكما أرادَ أنْ يكون) : "نائبٌ" في برلمانكم "العجائبيّ" .. جاءكم من أرضِ النخلِ الميّتِ، والماءِ المالحِ، و سَخامِ النفطِ، والسَبَخ العظيم. جاءَ ليعرضَ عليكم في كتابهِ هذا قراءةً فاحصةً لنوافذ العراق على العالم، ويعرضُ عليكم برصانةٍ علميةٍ ومهنيّةٍ تستحقُ التنويه، سبل الخروج من العزلة، واقتناصِ فُرَصٍ ليست مُتاحةً لبلدان أخرى. فًرَصٌ لا يعوّضها ريعُ "الأحفوريّات" البائدة، ولا سرديّاتُ التاريخ البائس، التي جعلت العراق والعراقيين، أسرى لهذه "المزبلة" الشاسعة، التي نعيشُ في "ربوعها" الآن.
تُرى كم نائباً، الآن، بوسعهِ فعلُ ذلك ؟، كمَ"قائد" .. وكم "سياسي" .. وكم "زعيم" ، ربما يكون كاظم فنجان الحمامي، هو النائب الوحيد (في مجلس النواب العراقي)، الذي يبحثُ من خلال الجغرافيا إمكانيّة أنْ يُمارسَ العراق دورهُ التاريخي كوسيطٍ قويّ وفاعل في تسهيل حركة التجارة العالمية.
هذا الحَماميّ ذو العقل الجميل، لم يعُدْ وزيراً ينصُبُ قنطرةً ساذجةً فوق نهرٍ صغير، وعندما فعلَ ذلك(وكان سعيداً به جدّاً) .. ذهبنا جميعاً الى الصين، وقمنا بمقارنة جسورها الهائلة، بقنطرة الحمامي البدائيّة، للتنكيل به، والشماتةِ بـ"إنجازه" المتواضع البسيط.
هذا الحَماميّ "نائبٌ" عنكم الآن .. وهو يكتبُ في "اقتصاديات النقل"، ما لايستطيع الكثير من "أساتذة" الاقتصاد كتابته في هذا الحقل بالذات، يكتبُ عن "الحزام الآسيويّ - العراقي"، وعن محطّاتنا في "طريق الحرير"، و عن "الربط السككيّ" مع دول الجوار، و عن"القناة الجافّة" .. والأهمّ من كلّ ذلك أنّهُ يكتبُ عن الموارد المهدورة نتيجة تجاهلنا لتجارة الترانزيت، وعن اقتناص الفرص الضائعة في مجالات النقل المختلفة، والاستثمار فيها دونَ أنْ نُنفِقَ فِلْساً واحدا .. فنكونُ نحنُ "الجسرُ"، ونحنُ "الناقلُ"، ونحنُ "المُوَزِّعُ المحوريّ".
كما تتندّرونَ، وتعجبكم النكتة .. إقرأوا، كاظم الحمامي يستفّزكم الآن .. ليس بالميثولوجيا والفنطازيا وقصص الجنيّات .. بل بما لا تستطيعونَ ردّهُ (حُجّةً بحُجّة)، وبالأرقام، والخرائط، والبيانات، كاظم الحمامي يحثّكم الآن، ليسَ على السُخرية، بل بما يستدعي أن نحزنَ كثيراً من أجله، مادامت هناك فُرَصٌ للعيش الرغيد، تُهدَرُ برعونةٍ قلّ نظيرها في هذا الكون .. وما دام هناك "كَشْفٌ" كهذا الذي يقدّمهُ لنا الآن .. يضيعُ وسط حماقاتنا التي لا توصف .. وهراءنا الذي لا ينتهي .. ولغونا الذي لا ينفد.
اضف تعليق