الحل يكمن في الحكومات نفسها، وليس المواطن، ولسنا هنا بصدد تبرير خرق القوانين، إنما نريد التأشير على أصل المشكلة، فما نراه من عشوائيات وإنتهاك صارخ لحرمة الدولة هو جزء من أعراض المرض الخطير المتمثل بغياب دولة المؤسسات التي هدمتها الحكومات المتعاقبة بالمحاصصة تارة وبالولاء للخارج تارة أخرى...
لا يمكن ان تكون للدولة هيبة بدون امتلاكها السيطرة على اراضيها، وأي انتهاك يطال هذه الأراضي يقلل من سطوتها ويفتح ثغرة في صورتها أمام الرأي العام، والأمر سواء إذا تعرضت للتجاوز الخارجي كما في حالات إحتلال بعض المناطق من قبل دولة أخرى، أو قيام المواطنين بالبناء والأستثمار بدون إذنٍ من السلطة الحاكمة.
فالحالة الأولى (الإحتلال) إنعكاس لهشاشة الدولة والمرحلة الأخيرة لإنعدام إي مرتكزات للسيادة الداخلية، بينما الحالة الثانية (التجاوزات الداخلية) هي مرحلة متقدمة من مراحل الإنهيار العام، لكن إذا ما حُلّت فقد نستطيع إستعادة قوة وسطوة الدولة بما يمنع أي تجاوزات أخرى سواء من الداخل أو من الخارج.
في العراق لا توجد حماية لحدود ما هو مخصص كملك عام، وما هو مسموح به للمواطنين، يتم التجاوز على الأملاك العامة دون وجود عقوبات رادعة، هي في الاساس مُشَرّعة في أكثر من قانون، وتجبر السلطة بمعاقبة من يستولي على الأملاك العامة، ولا تُنفذ هذه القوانين بتعاقب السلطات، لأسباب بعضها سياسي وآخر بسبب إختلاف الأولويات الحكومية، يضاف لها الضغوطات الحزبية والإجتماعية.
ويبدو أن حكومة السيد عادل عبد المهدي العاجزة عن رفع التجاوز الأجنبي عن الأرض العراقية وجدت في رفع التجاوزات مثل دور السكن المبنية من قبل المواطنين منفذاً لإثبات جديتها في حفظ هيبة ما تبقى للدولة العراقية، لكن الحملة فيها من الثغرات الكثير لدرجة أنها زادت من المشكلة ورفعت الغطاء عن قِدْرٍ يغلي بالمشكلات الثانوية التي تهدد هيكل الدولة في العراق، أبرزها:
1. الإنتقائية في تنفيذ القانون، إذ لا يمكن أن نتحدث عن هيبة دولة في ظل غياب العدالة في تطبيق القانون، بداية من الدستور الذي يفرض توفير مكان للعيش الكريم للمواطن، بينما لا تطبق هكذا فقرات دستورية لاسباب إنتقائية، ولأنها تضع أعباءً يصعب على الحكومة تنفيذها فتقوم بتأجيلها، كطريقة للهروب إلى الأمام، ومما يترتب عليها فتح الباب لأكبر مشكلة تهدد أي دولة وهي مشكلة عدم القدرة على فرض السلطة بيما يحقق العدالة.
2. المبرر الإنساني، إذ لا يمكن التخلص من هذه الحالة إلا عبر القضاء على أزمة الفقر، فهل هناك خطة لمعالجة الفقر أم إننا لا نعطيها أولوية؟ نعم هناك الإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر لكن حالها كحال القوانين المرصوفة على الرفوف، لا يستفاد منها إلا في التصريحات الإعلامية، ومن ثم فإن بقاء نسب الفقر على ما هي عليه يعني تفاقم أزمة العشوائيات، فالفقير لا يهمه إن كان يسكن في منطقة محرمة أم لا، هو يبحث عن سقف يقيه من أشعة الشمس والظروف الجوية، وهو لا يدري أصلا ما هي القوانين حتى يلتزم بها.
3. إنسياق المسؤول وراء الحملات الإعلامية وعدم ثباته على موقفه بتنفيذ القانون، فلم نسمع عن مسؤول إستقال من منصبه لأنه لم يستطع تنفيذ القانون عبر رفع التجاوزات، إنما هناك تغاضي عن العمليات إنسياقاً وراء الحملات الإعلامية التي تحمل في طياتها إستغلالاً سياسياً من قبل بعض الأطراف التي تركز على الخطاب الشعبوي، ومحاولة إرضاء الطبقات المسحوقة بكلام لطيف.
4. عدم وجود خطة حكومية مركزية واضحة للتعامل مع ملفات فرض سلطة الدولة، فالحكومة لا تملك إستراتيجية، إنما شعارات أرادت تطبيقها وتخلت عنها في أول عقبة واجتها من قبل الرأي العام، وهذا الرأي العام الذي يتم تشكيله وفقاً لتوجهات سياسية شعبوية.
فما السبيل لحل المشكلة؟
من الطبيعي إن حل المشكلة يأتي عبر القضاء على أسباب وجودها، متمثلة بغياب الدولة عن أخذ دورها بفرض سلطة القانون على أفرادها قبل فرضها على المواطنين، فلا يمكن أن يشعر المواطن بوجود الوطن بدون رؤيته تَساوي الجميع تحت مظلة واحدة، ولا يمكن أن يتوقف الناس عن التجاوز على الأملاك العامة إذا بقيت الفقرات القانونية مخبأة داخل أروقة الوزارات دون تنفيذ فهناك عشرات القوانين المتجاوز عليها.
الحل يكمن في الحكومات نفسها، وليس المواطن، ولسنا هنا بصدد تبرير خرق القوانين، إنما نريد التأشير على أصل المشكلة، فما نراه من عشوائيات وإنتهاك صارخ لحرمة الدولة هو جزء من أعراض المرض الخطير المتمثل بغياب دولة المؤسسات التي هدمتها الحكومات المتعاقبة بالمحاصصة تارة وبالولاء للخارج تارة أخرى، أو الخضوع عنوة كما هو الحال مع بعض الملفات الدولية التي لا تستطيع الحكومة العراقية التعامل معها بطريقة أكثر حكمة.
اضف تعليق