استغرب بعض المتابعين للاحداث في الشرق الأوسط مما تعرضت له المملكة العربية السعودية من هجوم واسع النطاق على منشآتها النفطية والذي افقدها نصف انتاجها، وبغض النظر عن الجهة التي هاجمت هذه المنشآة سواء كانت ايران او حلفائها، فان ما يثير التساؤلات هو الموقف الباهت من قبل أمريكا...
استغرب بعض المتابعين للاحداث في الشرق الأوسط مما تعرضت له المملكة العربية السعودية من هجوم واسع النطاق على منشآتها النفطية والذي افقدها نصف انتاجها، وبغض النظر عن الجهة التي هاجمت هذه المنشآة سواء كانت ايران او حلفائها، فان ما يثير التساؤلات هو الموقف الباهت من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وتعدى ذلك الى ثبات الرغبة لدى ترامب بلقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، المتهمة بلاده بمهاجمة السعودية.
ما حدث اعتبر تحولا استراتيجيا في التوازنات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بالصراعات وحروب الوكالة، فايران التي تعد من الدول الصغيرة اذا ما قورنت بالسعودية في المجالين الاقتصادي والعسكري، لكن الواقع على الأرض يكشف ان المعادلة معكوسة، فالطريفين يصنفان كدول صغيرة مع طموحات كبيرة، وكل منهما يمتلك استراتيجية الخاصة في تحقيق أهدافه، احدهم اتخذ طريق المعارضة للدول الكبيرة وهي ايران، فيما اتخذت السعودية طريق التحالف مع شروط قد تكون مذلة كما هو الحال مع الكثير من الدول الخليجية.
وحصلت السعودية بتحالفها مع الدول الكبرى مميزات كثيرة، من بينها المظلة السياسية الدولية، والدخول في الأسواق العالمية، والحصول على حصص في شركات أمريكية وغيرها، أي بمعنى انها حصلت على مكانة لا بأس بها في النظام العالمي على عكس الدول الأخرى المعادية للولايات المتحدة الامريكية، والتي بقيت تعاني من صعوبات من اجل دخولها في النظام العالمي، بل انها تعاني من قطيعة مع العالم، وتوصف بانها "دول مارقة"، وتتهم بكافة التهم، وتبقى على هامش العالم في الكثير من القضايا الاقتصادية والسياسات الدولية، ما عدا ما يرتبط بالحروب والأزمات فيمكن ان تجلس مع الكبار في مفاوضات من اجل عقد هدنة او اتفاقية معينة.
من التعارف عليه انه بمرور السنوات تستفيد بعض الدول الصغيرة من تحالفها مع الكبار عبر تعزيز مكانتها دون المساس بسيادتها، ولا امنها، لا تنجر وراء كل ما ريده الكبار، ولا هي تطلب اكبر من حجمها حتى لا تقع في المخاطر غير المحسوبة، فيما تقوم بعض الدول الصغيرة من نفس الفصيلة بمحاولة لعب دور اكبر منها، لانها تريد تقليد الكبار، فتسقط في فخ المحظورات، وتتحول خزائنها الى بنك كبير لضخ المال الى الدول الكبيرة، (فالكبار ينفقون كثيراً، ومن يريد ان يكون كبيراً عليه انفاق الكثير)، هذه الحالة تنطبق على المملكة العربية السعودية، التي تصور ولي عهدها محمد بن سلمان الصغير بعمره، وبافكاره، وباستراتيجياته، والكبير بحروبه وازماته، تصور ان مملكته كبيرة بما يكفي لتلعب ادوراً في الازمات الدولية.
ولماذا لا يلعب هذا الدور والمال موجود، والسلاح موجود في مصانع رايثون ولوكهيد مارتن الامريكية ويمكن شراؤها دائما، والحروب التي شنها تعبر عن رؤيته لحجم مملكته، أراد توسيع دائرة السيطرة عبر تحويل اليمن الى دولة تابعة، لكنها صارت اكبر عبء لا يمكن التخلص منه، جعل الحوثيون الذين لا تقارن ميزانيتهم العسكرية بأي شيء مع السعودية جعلوا من السعودية مسخرة للعالم، بينما يتفرج عليها الكبار، فلماذا لم تنقذها الولايات المتحدة الامريكية الحليف الأكبر للسعودية؟
وفق قواعد العلاقات الدولية فان الكبار لا ينظرون للدول الصغيرة الا باعتبارها مناطق للنفوذ والسيطرة، والاستثمار السياسي والاقتصادي، ولا شيء غير هذا، وكل ما يقدم للدول الصغيرة يقاس بما يعود من فائدة على الدول الكبرى، وقد تقوم بمشاريع استراتيجية تنقل البلاد شكلياً من حالة سيئة الى مصاف الدول المتقدمة، لكن ذلك لا يعني انها تريد من الدول الصغيرة ان تكون كذلك، لان هذه المشاريع وجدت لخدمة الكبار فقط، كما هو حال صناعة النفط الخليجية، فلو استثمرت فعلياً لصرفت أموالها على بناء مصانع عملاقة، وتحولت الدول الخليجية الى دول صناعية، لكن ما حدث هو مد انابيب التصدير ومصافي التكرير لا اكثر، مع بعض الصناعات البتروكيمياوية.
لم تستطع الدول الصغيرة كما هو حال السعودية بناء مصانع للسيارات، ولم تستطع صناعة طائرة عملاقة ولا صغيرة، ولم تستطع الدخول في عالم الدول الصناعية، لم تحصل الدول الصغيرة من حليفتها الكبرى سوى بعض الامتيازات التي لا تحقق لها الاستقلال السياسي والاقتصادي والعسكري.
هذا يجعل من المعتاد ان تسقط أي دولة تجعل مصدر قوتها من قوة الدول العظمى، والسعودية معنية بهذا الكلام، وعليها ان تنتبه لازمة الصواريخ الحوثية والمسيرات قبل فوات الأوان، فما زال في الوقت متسع، وما زال خصومها يطلبون التفاوض والصلح، وما دامت الرياض فيها قليل من القوة، واذا ما استفاقت من سباتها، فستجد نفسها محاطة بالاعداء الجيران، وحينما يتخلى عنها الكبار ستتحول الى فريسة عرجاء، والأخطر هو ان تنهشها صوريخ الدول الكبرى، كما فعلت مع عراق صدام حسين لسنوات طويلة اذ استخدمته لتنفيذ سياساتها، ثم انقلبت عليه عندما وجدته يتطلع لاكبر مما رسم له.
اضف تعليق