الإمارات طعنت حليفها السعودية بالظَهر في اليمن، فسيطرة الجماعات الانفصالية المدعومة من الإمارات على عدن ستدفع وتؤجج الاقتتال والانقسام في جنوب اليمن، وهذا ما حصل بعد هجوم القوات المدعومة سعوديا على القوات المدعومة إماراتيا قبل عيد الأضحى، مما يكشف عن تباين في استراتيجيات وتوجهات كل...
كشفت الأزمة اليمنية مؤخرا تباين في الأجندات السعودية والإماراتية، فحسب معطيات الأزمة في عدن جنوب اليمن وقضية التعامل مع حركة أنصار الله يتضح أن:
الإمارات طعنت حليفها السعودية بالظَهر في اليمن، فسيطرة الجماعات الانفصالية المدعومة من الإمارات على عدن ستدفع وتؤجج الاقتتال والانقسام في جنوب اليمن، وهذا ما حصل بعد هجوم القوات المدعومة سعوديا على القوات المدعومة إماراتيا قبل عيد الأضحى، مما يكشف عن تباين في استراتيجيات وتوجهات كل من السعودية والإمارات في الملف اليمني، كما يكشف أن خطوة الإمارات في عدن تمثل تخالفا مع حليفها السعودي بعد أن كان تحالفا منذ خمس سنوات مضت.
ورغم زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي العهد الإماراتي المفاجئة أبان أيام العيد في ذروة موسم الحج إلى جدة لتفادي تداعيات الأزمة إلا أن علامات استقباله في المطار أوحت وأثبتت هذا التخالف، إذ عكس غياب نظيره وصديقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن مراسيم استقباله في المطار حالة الفتور بين المُحمّدين وحالة الفُتور في العلاقات السعودية الإماراتية أيضا، بعد أن استقبله الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع، حالة الفتور تلك نشأت في بادئ الأمر نتيجة تقارب وتفاهم إماراتي- إيراني بعد أزمة الناقلات في مياه هرمز، انعكس في الواقع على إعلان الإمارات نيتها سحب قواتها من اليمن، مما يعني انسحاب أبو ظبي من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، كما أعقب إعلان الإنسحاب الإماراتي من التحالف، استيلاء قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي المُؤقت بقيادة عيدروس الزبيدي ونائبه هاني بن بريك على قصر معاشيق الرئاسي.
وهذا يعني حقيقة لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها: إن التحالف العربي الذي كان يجمع الدولتين تحت مظلته في حرب اليمن قد تصدع ان لم يكن قد انفرط عقده وانهار كليا بعد المواجهات بين الجماعات التي تتبع الطرفين في عدن، وانسحاب معظم القوات الإماراتية من اليمن".
ورغم أن الشيخ محمد بن زايد أكد على: "إن العلاقات بين الإمارات والسعودية الشقيقة كانت ولا تزال، وستَظل، علاقات متينة وصلبة" وأيضا هذا ما أكده الأمير خالد بن سلمان.
لكن يبدو أن إعادة اللّحمة لتحالف البلدين في اليمن وحتى في بعض السياسات الإقليمية وبالصورة والسياق الذي كان عليه قبل خمس سنوات إليه بات شبه مُستحيل.
هذا التخالف والطعن بالظَهر السعودي إماراتيا تمثل ليس بموقف أبو ظبي الواضح نيتها تخفيض وجودها العسكري في اليمن أو الإنسحاب فقط في نقاط الاشتباك مع الحوثيين، إنما ترجم عبر إنشاء قوّات محلية على الأرض تابعة لها في عدن، تكفل إستدامة وبقاء النفوذ الإماراتي على عدن والكثير من مناطق الجنوب اليمني، خاصة المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية مثل الموانئ والجزر والثغور ذات الأهمية الجيوسياسة.
هذه الخطوة جاءت لقراءة إماراتية للأوضاع في اليمن، فهي لم تأتي من فراغ بل لتكريس الوضع الانفصالي فعليا بين شمال اليمن وجنوبه، في مقابل ضمان نفوذها الذي أرادته أبو ظبي بعد أن استوعبت درسا مهما عقب الهزائم المتعاقبة وما خلفته حتى الآن من انتكاسات مريرة وموجعة لحقت بالتحالف الذي يقوده محمد بن سلمان من قبل حركة أنصار الله اليمنية، مما يشكل مغامرة طائشة للإمارات في حال الاستمرار بقبول تلك الهزائم الناتجة عن الإخفاق السعودي الذريع في اليمن، هذا الإخفاق للمملكة لم يكن في الساحة اليمنية فحسب، بل شهدت السياسة الإقليمية السعودية في الآونة الأخيرة فشلا في ثلاث ملفات على الأقل:
أولا: الملف السوري وتداعيات التراجع والانسحاب عن دعم ما يعرف بمشروع المعارضة السورية والفصائل المسلحة، وتحول هذا الملف لصالح روسيا وإيران وتركيا.
ثانيا: الملف القطري، فصراع المملكة وحلفاءها من الدول الخليجية ضد قطر عبر حصارها بسبب تقاربها مع إيران لم يفلح واستطاعت قطر إدارة الصراع بنجاح.
ثالثا: فشل مركب في إنشاء محور اعتدال عربي بقيادة ورعاية أمريكية لإنجاز السلام العربي الإسرائيلي وإحلال ما يعرف بصفقة القرن، لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
فضلا عن تحديات تواجه المملكة: داخليا بقضايا حقوق الإنسان وتعذيب الناشطات السعوديات رغم المساعي لتحقيق اختراق بهذا المجال، وخارجيا: بعد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقچي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، مما نجم من ضغوطات دولية على ولي العهد السعودي، هذه الإخفاقات السعودية دفعت بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد إدراك الخطر الإستراتيجي الناجم من سياسات نظيره السعودي الشاب محمد بن سلمان.
وفي هذا السياق، تتزايد طموحات رجل الإمارات القوي وسعيه إلى إقامة مناطق نفوذ للإمارات إقليميا، وتسجيل حضور بارز في المناطق البعيدة عن مياه مضيق هرمز في القرن الأفريقي في عدد من موانئ إريتريا الصومال وليبيا، وعدن في اليمن واستغلال الفرص فيه عبر إقامة تحالف مع اليمن الجنوبي الجديد، تاركا المملكة العربية السعودية تتخبط وحدها عسكريا وماليا في مواجهة مع حركة أنصار الله الحوثية في الشمال، فالمملكة مضطرة أن تنزلق في اليمن بسبب موقعه الجغرافي وحدوده المشتركة على طول ألفي كيلومتر مع السعودية، مما يبرر تدخلها خشية نجاح إيران بملأ الفراغ والسيطرة على النظام السياسي في اليمن، وبالتالي تهديد أمن المملكة، لكنها ستعاني من الرد على صواريخ الحوثيين على أراضيها، أو أنها ستضطر إلى التقارب مع إيران كما تفعل الإمارات.
أما أبو ظبي فإن هدفها في ظل هذه المعطيات استغلال الفرصة وتعزيز نفوذها الإقليمي من اليمن إلى ليبيا من خلال التدخل العسكري، إضافة إلى توظيف القدرات الاقتصادية الفائقة ومنها شركة موانئ دبي العالمية التي تعتبر واحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم، خاصة في ظل ظروف وتداعيات تسير لصالح إيران في المنطقة، "بعد إطلاق سراح سلطات جبل طارق للناقلة الإيرانية المحتجزة"، الذي أنتج شعور مشتركا للبلدين الخليجيين أن الولايات المتحدة بدأت تذعن لإيران إضافة إلى تردد أوروبا تجاه مواجهة طهران وسياساتها.
فشل السعودية إقليميا يعد خبرا سارا للإمارات؛ لأنه قد يتيح أن يلعب محمد بن زايد الدور الذي يؤديه الأمير العازم على الإصلاح دون جدوى لغاية الآن محمد بن سلمان، إذ أن فشل السعودية قد يجعل الغرب يبحث عن أمير واثق من نفسه وقادر على إدارة الملفات الداخلية والخارجية بنجاح، وليس إلى أمير خاضع لرجال المؤسسة الدينية الوهابية، (رغم قوة علاقة بن زايد بواشنطن وأوروبا).
كل هذا لا يعني أن الإمارات والسعودية ستكونان خصمان، لأن أمن الخليج يتطلب وحدة خليجية على الأقل قد يبقى التماسك على المستوى الوجودي وتحديد المخاطر، ولكن ما حصل بين السعودية والبحرين والإمارات مع قطر قد يسمح بسيناريو مشابه بين الرياض وأبو ظبي خاصة مع صعود المحمدين بن زايد وبن سلمان إلى السلطة، إذ يشكل وصول جيل شاب للحكم لأول مرة في هذين البلدين دون أن يختبرا السلطة تحدياً يسمح بسيناريوهات واحتمالات التعارض في المصالح خاصة في مواجهة المشكلات والسياسات الإقليمية الهامة.
اضف تعليق