لم يسبق لبغداد ان شهدت حديثاً عن ايجاد منظومة سلاح جوي مثل الحديث الذي تلوكه السنة الساسة والبرلمانيين ووسائل الاعلام هذه الايام، وتحديداً بعد حادثة احتراق كدس العتاد في معسكر الصقر وظهور تسريبات عن ضربة جوية اسرائيلية جديدة، بعد ضربتين سابقتين في امرلي وديالى...
لم يسبق لبغداد ان شهدت حديثاً عن ايجاد منظومة سلاح جوي مثل الحديث الذي تلوكه السنة الساسة والبرلمانيين ووسائل الاعلام هذه الايام، وتحديداً بعد حادثة احتراق كدس العتاد في معسكر الصقر وظهور تسريبات عن ضربة جوية اسرائيلية جديدة، بعد ضربتين سابقتين في امرلي وديالى.
لو صح ما يقال عن امكانية اعادة تنشيط منظومات الدفاع الجوي فالعراق امام خيارين، الأول عبر تصنيع هذا السلاح في مصانعه الخاصة ووفق ما يجده ضروريا، لكن هذا الخيار شبه مستحيل ليس لان العراق ضعيف في مجال التصنيع فحسب، بل ان منظومات الدفاع الجوي لا تصنعها الا الدول الكبرى المتقدمة والتي تمتلك قدرات تكنلوجية عالية، اما الخيار الثاني فهو شراء منظومة جاهزة ومعروفة بقدرتها على التصدي للغارات الجوية، وهنا يمكن لبغداد التوجه الى واشنطن استنادا الى اتفاقية الاطار الاستراتيجي ومن مبدأ الصداقة، او شد الرحال شرقاً نحو موسكو التي تملك صواريخ اس400 التي تتفاخر بها امام العالم.
الحديث المطروح هذه الايام يستبعد المنظومات الامريكية "باتريوت وثاد" ويركز على منظومة الدفاع الجوي الروسي، لكون الولايات المتحدة الامريكية تفرض شروطا قاسية على اقتناء اسلحتها لدرجة انها منعتها عن حليفتها تركيا العضو الفاعل في حلف شمال الاطلسي، بالاضافة الى فشل المنظومة الامريكية في السعودية ما شوه سمعتها عالمياً، واكثر ما يقلل من فرص الحصول على سلاح جوي امريكي، هو اتهام بعض الاحزاب العراقية للولايات المتحدة نفسها بالتخاذل عن حماية الاجواء العراقية وسماحها للطائرات المجهولة بالتجول دون اسقاطها او اشعار العراقيين بها، ما يضع واشنطن في رادار "التآمر" حسب العرف السياسي العراقي.
وفق هذه الرؤية، التي تعتقد ان الولايات المتحدة جزء من المشكلة، بعد سماحها للطائرات المجهول بدخول اجواء العراق، تبرز مشكلة أخرى، فاذا كانت واشنطن "متآمرة"؟ فكيف يمكنها الموافقة على شراء بغداد لمنظومات روسية اقل ما يقال عن تواجدها في الاراضي العراقية انها تمثل صفعة سياسية وعسكرية واستراتيجية ضد واشنطن، لكن البعض يعتقد ان قوة القرار الوطني ستتجاوز الفيتو الامريكي الذي رفع راية العقوبات لمجرد الحديث اعلاميا عن توريد اس400 مطلع عام 2018 فهل تقبل رؤية مناطق نفوذها التي صرفت عليها اكثر من ثلاثة تليونات دولار تقضم بفك روسية، وبهذه السهولة، فالسلاح الذي نتحدث عنه يغير موازين القوى ويعيد ترتيب قواعد اللعبة على مستوى المنطقة باسرها.
اما على المستوى الروسي نفسه، فلا يمكن لموسكو ان توافق على بيع اسلحتها المتقدمة لمجرد ان زبونا يملك المال يريد شراءها، فقد امتنعت عن بيع منظومة اس300 لسوريا اكثر من عشر سنوات بسبب الفيتو الاسرائيلي، ونفس الحال كان مع ايران التي عانت من عقوبات دولية، ونعتقد ان نفس الفيتو سوف يطبق على العراق وبشكل اشد صرامة مع احتدام الصراع مع ايران.
ولنفترض ان روسيا تجاوزت الفيتو الاسرائيلي بالتراضي او بالعناد، فهل ستبيع درة اسلحتها لدولة لم تنفض غبار اخطر حرب واجهتها بعد هروب جيشها امام جماعة مسلحة صغيرة عام 2014، وقد يبدو هذا الكلام قاسيا بحق الجيش العراقي، لكن الدول لا تبيع اسلحتها لتكون عرضة للاستخدام الخاطيء وغير المدروس، والذي قد يشوه سمعتها، والأخطر هو كشف اسرارها التي هي مصدر قوتها وهيبتها.
بالمجمل لا يتعدى الحديث عن شراء اس400 حدود وسائل الاعلام، وهو عبارة عن توجيه رسائل للداخل والخارج، فعلى مستوى الداخل تفيد للاستهلاك الجماهيري لا سيما مع الندوب التي اصابت سمعة بعض القطعات العسكرية لتعرضها لاكثر من هجمة جوية أظهرت خاصرتها الرخوة ووضعتها في ميزان الرأي العام، اما على مستوى الخارج فهي ورقة ضغط ولو اعلاميا على الولايات المتحدة من اجل دفعها لمنع الطلعات العسكرية المعادية للعراق والقادمة من اسرائيل في اغلب الاحيان.
اضف تعليق