هي دولة ولا دولة، عندما تشتد احوالها وتضايقها ايران وتركيا بالضغوطات السياسية والاقتصادية تطالب أربيل بمساعدة بغداد، وعندما تصلح علاقتها مع دول الإقليم تمارس دورها كدولة مستقلة لا تربطها بالعراق سوى روابط الحصول على ميزانية مالية تفضيلية، مستفيدة في ذلك من المحاصصة وغياب رجال دولة حقيقيين في المركز...
صوّت برلمان كردستان، على تسمية مسرور بارزاني، ابن عم الرئيس الجديد، نيجرفان بارزاني (رئيس الوزراء السابق)، رئيسا للوزراء في الإقليم، وهما من أحفاد الزعيم الكردي مصطفى بارزاني والد الزعيم الاعلى في الاقليم مسعود البارزاني.
وياتي انتخاب مسرور تعزيزا لمكانة عائلة "آل البرزاني" التي سيطرت على مقاليد الحكم في الاقليم (شبه المستقل) منذ عام 1991، وبينما كانت هذه العائلة تواقة لبناء اقليم جديد، تبدو اليوم اكثر رغبة في توليد مستحدثات اخرى، ابرزها شرعنة فكرة توريث الحكم لعائلة البرزاني، والثاني تنصيب اكثر الزعماء تطرفا ورغبة في الانفصال لتكوين دولة كردية، فرئيس الوزراء الجديد يعتبر من الدعاة البارزين للانفصال الكردي عن العراق خلال السنوات الماضية التي أعقبت غزو العراق عام 2003، ودعا في عام 2016 إلى فصل ودي بين العراق والمحافظات الكردية، واعتبر أن العراق دولة "فاشلة" ويجب عدم إجبار الكرد على البقاء معها، كاشفا عن بدء محادثات مع بغداد قبل إجراء الاستفتاء الشعبي لترتيب الانفصال بشكل مناسب.
وقاد مسرور حملة شعبية واسعة داخل الإقليم بالتزامن مع حملة في أوروبا ودول غربية مختلفة استعان خلالها بعدد من السياسيين والباحثين الغربيين، بينهم، فنسنت هاريس، المعروف بعدائه للفلسطينيين والعرب، وكذلك السفير الأميركي الأسبق في العراق، زلماي خليل زاد، والكاتب برنار هنري ليفي، والجنرال الأميركي المتقاعد، بيتر غولبريث. وحتى بعد انتخابه يرى مسرور ان استفتاء الانفصال يمثل "تطلعات امة"، وهو ما يزال يعتبر الكرد امة منفصلة عن شعب العراق، انه يقر بالانفصال كحق وليس انتهاكاً لوحدة العراق، لكن تركيز حكومته سينصب على اقامة علاقات وشراكة مع بغداد، ويتطلع الى اصلاح الامور التي تبقي الطرفين متباعدين.
بالنسبة لقادة الاقليم ومن بينهم مسرور فان الامور التي تبقيهم في صراع مع بغداد ترتكز ثلاث نقاط اساسية:
الأولى: السيطرة الكاملة على النفط من رحلة بيعه وحتى صرف امواله، مع حصولهم على حصة من نفط البصرة والمحافظات الجنوبية التي توفرها الموازنة العامة للدولة.
الثانية: سيطرتهم الكاملة على كركوك والمناطق المتنازع عليهم واستغلال مواردها مع حصولهم على ميزانية مالية تفضيلية على باقي المحافظات.
الثالثة: لا يريد الاقليم ان تكون للقوات العسكرية المركزية اية ادوار في الاقليم، بينما تقود الاحزاب وقوات البيشمركة الاوضاع هناك بعيدا عن اعين الحكومة المركزية.
ما الذي يبقى كردستان لتكون دولة مستقلة، هناك اقتصاد مستقل، وحدود ادارية واسعة، وجيش مستقل؟
هي دولة ولا دولة، عندما تشتد احوالها وتضايقها ايران وتركيا بالضغوطات السياسية والاقتصادية تطالب أربيل بمساعدة بغداد، وعندما تصلح علاقتها مع دول الإقليم تمارس دورها كدولة مستقلة لا تربطها بالعراق سوى روابط الحصول على ميزانية مالية تفضيلية، مستفيدة في ذلك من المحاصصة وغياب رجال دولة حقيقيين في المركز، وبعد سيطرة البرزانيين فان السنوات القادمة ليست سهلة على العراق، هناك (في كردستان) تسيطر حكومة عائلية بامتياز، ولها تطلعات لتجاوز كبوة الاستفتاء وترى بضرورة استعادة ما خسرته خلال فترة حكومة حيدر العبادي، ما يزيد من صعوبة موقف بغداد هو وجود رئيس وزراء ضعيف لا يقوى على التحرك، لا تقف خلفه اية كتلة سياسية وهو نتاج توافق هش، كما ان الازمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وايران ستنعكس على طبيعة علاقة بغداد بالاقليم.
قد تُجبر الحكومة المركزية على تقديم تنازلات معينة للإقليم من اجل استرضاء احد طرفي الصراع الإيراني الأمريكي، او قد تقدم على خطوات تصعيدية لتحقيق مصلحة احد الطرفين، فالاقليم داخل ضمن خطة الصراع الجارية بين واشنطن وطهران، من هذه الأرضية لا يمكن التفاؤل بعلاقة مميزة خلال السنوات القادمة، ففي جميع الحالات ستعاني بغداد اما من توتر كبير او خسارة بعض النقاط لصالح الإقليم.
اضف تعليق