القرار من حيث المبادئ يعد قراراً صائباً للغاية ومن الممكن أن ينفذ بصورة مهنية إذا كان أطراف السلطة التنفيذية الحالية راغبين فعلاً في بناء الدولة وهياكلها الرئيسية، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران، وطالما كان الصراع بينهما على النفوذ في...
أصدر مجلس الوزراء بداية الأسبوع الماضي، قراراً ديوانياً يتكون من عدد من النقاط تنطوي على عملية دمج جميع فصائل الحشد الشعبي (مجموعة من القوى المسلحة والأحزاب والتيارات خاضت معارك ضد تنظيم داعش) ضمن المؤسسة الأمنية، وبموجب هذه المبادئ سيكتسب أفراد هذه القوى الصفة الرسمية بعيداً عن الانتماء العضوي لهذا الفصيل أو ذاك مثلما كان.
ووضع القرار قيادة هذه القوات تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، شأنه بذلك شأن قيادة القوات المسلحة بجميع تشكيلاتها، وأن يكون مسؤولا عليها رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يعينه القائد العام، وبذلك أوجب القرار التخلي عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد في معارك التحرير، وتستبدل بتسميات عسكرية (فرقة، لواء، فوج، إلخ)، كما يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها في القوات المسلحة، وبالتأكيد هذا المبدأ يحتاج إلى تنظيم وتقنين كون الرتب العسكرية الممنوحة للقوى العسكرية قد تختلف عن ظروف ومرحلة منح الرتب لأعضاء هيئة الحشد الشعبي، وفرض القرار بقطع وحدات الحشد أفرادا وتشكيلات أي إرتباط سياسي أو آمري من التنظيمات السابقة، وإغلاق جميع المقرات التي تحمل أسم فصيل من فصائل الحشد الشعبي داخل المدن وخارجها.
كما فرض القرار على الفصائل التي لا تلتحق بالقوات المسلحة أن تتحول إلى تنظيمات سياسية خاضعة لقانون الأحزاب، ويمنع حملها للسلاح إلا بإجازة لمقتضيات حماية مقراتها المدنية، وأوجب في الوقت ذاته، بإغلاق جميع المكاتب الاقتصادية أو السيطرات أو التواجدات أو مصالح المؤسسة خارج الإطار الجديد للحشد الشعبي، وهذه اللجان مهمتها الكسب من خلال السياسة، وبما يعني أن تلك السيطرات هي جزء من الجباية والأموال التي طالتها شبهات كثيرة، والفصل ما بين العسكري والسياسي والاقتصادي إذ في طوال السنوات الماضية هناك من استغل اسم وتضحيات هذه القوات لتحقيق مأرب سياسية واقتصادية وقد يتعرض الأمن الوطني الداخلي للخطر بفعل الانتماءات والولاءات لبعض الأحزاب والقوى الإقليمية.
وإذا ما لاحظنا ظروف وعوامل اتخاذ مثل هكذا قرار لابد من بيان تركيبة اتخاذ القرار الداخلي، خاصة ونحن نعلم أن إدارة السلطة التنفيذية تدار من قبل أقوى مكونان للحشد الشعبي هما تحالف الفتح والذي يضم منظمة بدر والعصائب وآخرون، وتحالف سائرون والذي يضم التيار الصدري الذي لديه فصيل سرايا السلام التي تمتلك عناصر بشرية كبيرة مسجلة وغير مسجلة ضمن هيئة الحشد الشعبي والتي لا تزال تمسك بالأرض في سامراء، وبما أن هذين المكونين هما من يدير السلطة التنفيذية وقد اختارا رئيس الحكومة بالتوافق فربما هما من وجه رئيس الحكومة عادل عبد المهدي باتخاذ هذا القرار، لا سيما بعد الترحيب والمقبولية التي حظي بها القرار مباشرة بعد إعلانه من عدد من قادة الفصائل، حيث أصدر السيد مقتدى الصدر بيان بعد أقل من ساعة رحب به بالقرار وأعلن عن تفكيك سرايا السلام وتسليم مقراتها للجيش العراقي عن أن يكون القرار ملزم للجميع وأن تعامل سرايا السلام بعدالة في انضمام أفرادها للجيش العراقي.
كما رحبت منظمة بدر بزعامة السيد هادي العامري بالقرار "بدر بالوقت الذي تثمن فيه الأمر الديواني الذي صدر من القائد العام للقوات المسلحة تثميناً للدور والعطاء الريادي للحشد الشعبي المقدس، فإننا نود الإشارة إلى أن هذه الخطوة ليست بعيدة فقد تم بيانها قبل عامين من قبل رئيس تحالف الفتح هادي العامري والتي أشار فيها إلى المباركة بالفتوى الرشيدة وأن يعطى الدور الاستثنائي والريادي للحشد كونه يمثل صمام الأمان للبلد ولولاه لما تحققت الانتصارات على زمر داعش الإرهابية".
كما أصدر زعيم عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي بيان في السياق ذاته جاء فيه: "قرار رئيس مجلس الوزراء الأخير خطوة بالاتجاه الصحيح ليكون الحشد جزءا مهنيا وثابتا من القوات المسلحة ويفشل محاولات حله أو دمجه، إن إبعاد الحشد الشعبي عن التجاذبات السياسية وتوفير ما يحتاجه من قضايا لوجستية كفيل بضمان قوة الحشد الشعبي ليقوم بواجبه المقدس في ضمان أمن لعراق ومستقبله".
وهذه القوى الداعمة هي المؤثرة في حين رفضت قوى تحسب على هيئة الحشد الشعبي بالمرة ككتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله حيث جاء في بيان الكتائب "حلّ الحشد الشعبي، ليس من أولويات الدولة العراقية"، فضلا عن رفض فصائل أخرى كجماعة واثق البطاط وآخرين، إن المثير للجدل هنا، لماذا رحبت فصائل كالعصائب وبدر ورفضت أخرى مع الأخذ بنظر الاعتبار كل المؤثرات الخارجية، بمعنى أن هناك علاقة وثيقة تجمع بدر والعصائب بإيران على سبيل المثال، فهذه القوى رحبت بالقرار في حين هناك قوى أخرى ككتائب سيد الشهداء وحزب الله رفضت القرار وهي أيضا لها علاقة وثيقة بإيران، ولربما أن العصائب وبدر المشتركون بقوة في العملية السياسية وبمرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي، ويدركون أيضا تعقيدات التوتر الأمريكي الإيراني وتأثيراته على العراق وبالأخص على القوى المحسوبة على إيران فإنهم قبلوا به من أجل عدم الحرج في أي توتر مستقبلي، كما أنهم يضمنون من خلال نفوذهم غير المباشر في القوى الرسمية كخيار وسط بعد دمج الحشد الشعبي ضمن الجيش العراقي وإنهاء التنظيمات والتسميات المرتبطة به كقوى عسكرية ولجان اقتصادية وما إلى ذلك.
ومما تقدم، فإن الأهم من مبادى القرار هو آليات تطبيقه ومدى التزام كل الأطراف به المسجلة وغير المسجلة في دولة تعاني من هشاشة في تطبيق القوانين وتسودها التقاسم والتحاصص.
عموما، فإن هذا القرار من حيث المبادئ يعد قراراً صائباً للغاية ومن الممكن أن ينفذ بصورة مهنية إذا كان أطراف السلطة التنفيذية الحالية راغبين فعلاً في بناء الدولة وهياكلها الرئيسية، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران، وطالما كان الصراع بينهما على النفوذ في المنطقة فهذا يعني أن حلفاء إيران في الواجهة أيضا، ونحن نعلم طبيعة خارطة القوى السياسية في العراق، فهذا القرار إذا لم يكن من تداعيات هذا التوتر فهو قد يجنب العراق الكثير من المخاطر.
إذ بالأمس القريب كانت تعد الولايات المتحدة الأمريكية عددا من قوى الحشد الشعبي هي نسخة طبق الأصل من الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي فهذا القرار يرصن من بناء الدولة وسيادة القانون لاسيما وهو بمثابة المرحلة الثانية من هيكلية وبناء الأفراد والقوى المنتمين لهيئة الحشد الشعبي بعد مدة قصيرة من تصويت مجلس النواب على قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لعام 2016، الذي بين كيفية تنظيم وطبيعة ومرجعية عمل قوى الحشد الشعبي والفصل ما بين السياسي والعسكري "يتم فك ارتباط منتسبي هيأة الحشد الشعبي الذين ينظمون إلى هذا التشكيل عن كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه"، حيث أنه لا يختلف كثيرا عن القرار الديواني المذكورة في أعلاه إذ تضمنت المادة (1/ ثانيا) من القانون على أن الحشد الشعبي هو جزء من القوات المسلحة ويرتبط بالقائد العام كما هذه المادة حددت تشكيلته العسكرية "يتألف التشكيل من قيادة وهيأة أركان وصنوف وألوية مقاتلة" مثلما جاء في نص قرار مجلس الوزراء الأخير.
وفي الختام يمكن تلخيص أبعاد قرار مجلس الوزراء القاضي بدمج قوى الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية بما يلي:
1- إن هناك طرفين من قوى الحشد الشعبي أحدهما يرغب في ترصين هيئة الحشد الشعبي في الاتجاه الذي يضمن له نفوذه ويبعده عن المخاطر والاتهامات التي تطاله وإذا ما دمج الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية فأن ذلك يضمن لتلك القوى وجودها سياسيا ونفوذها عسكريا وما يكسبها أيضا استمرار مقبوليتها لدى الشارع العراقي، أما عكس ذلك، فإن أي تصرفات وتجاوزات غير قانونية ومنفرة من داخل أعضاء هذا التشكيل ينعكس سلبا على هذه القوى، أما الطرف الثاني فهو يحرص على بقاء وجوده خارج سياق القوى الأمنية لأسباب عديدة ومنها المصالح المالية والولاءات الخارجية، والعمل خارج سياقات القوانين النافذة، وهذا ما جعل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يصرح قائلا: "حان الوقت لتنظيم وضعهم بطريقة قانونية"، وهذا يعني عدم وجود أسلحة خارج نطاق الدولة.
2- إن مرحلة ما بعد داعش في نظر بعض القوى السياسية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، تفرض طرح خيارات أخرى وهي وإن كانت غير بعيدة عن شعارات التضحية ومقاتلة تنظيم داعش لكنها ترغب في مغازلة الشارع كقوى سياسية ساعية لتلبية مطالبه، وفي ذلك فإن الرغبة في دمج الحشد الشعبي كانت قد بدأت من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لكن رغبة القوى آنذاك لم تكن موافقة بالكامل وكانت تدخلها في نطاق الضغوطات الامريكية وأحيانا الخليجية، أما اليوم فإنها قد حققت ما أرادت فالظروف والمرحلة في نظر هذه القوى ملائمة جداً.
3- إن تطبيق هذا القرار ومن قبله مواد قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لعام 2016 من الممكن أن يساهم في بناء منظمة عسكرية ذات مرجعية عسكرية واحدة وتخضع لقوانين الدولة العراقية وقانون العقوبات العسكرية.
اضف تعليق