الأحزاب هي الوليد الشرعي للديمقراطية فلا يمكن وصف بلدٍ ما بأنه ديمقراطي إذ لم تكن فيه أحزاب، ومن الطبيعي أن تتنافس الأحزاب فيما بينها للوصول إلى السلطة لتحقيق برامجها الانتخابية، وبالعادة عندما يفوز حزب أو تحالف أحزاب بالانتخابات فأنها تشكل الحكومة لتتولى الأحزاب الخاسرة مهمة...
الأحزاب هي الوليد الشرعي للديمقراطية فلا يمكن وصف بلدٍ ما بأنه ديمقراطي إذ لم تكن فيه أحزاب، ومن الطبيعي أن تتنافس الأحزاب فيما بينها للوصول إلى السلطة لتحقيق برامجها الانتخابية، وبالعادة عندما يفوز حزب أو تحالف أحزاب بالانتخابات فأنها تشكل الحكومة لتتولى الأحزاب الخاسرة مهمة المعارضة لها، وهذه المعارضة مهمة وضرورية جداً لدورها الحيوي في تصحيح مسار الحكومة، فلا ديمقراطية حقيقية بدون وجودها، وبالعادة تسعى المعارضة إلى تصيد أخطاء الأحزاب الحاكمة لغرض إسقاطها بكل الوسائل الدستورية والقانونية المتاحة وتشكيل حكومة بدلاً عنها، وعندها ينتهي دورها كمعارضة ويبدأ دورها كحزب سلطة، ليصبح الحزب الحاكم السابق حزب المعارضة وهكذا.
اما مصطلح (المعارضة التقويمية) فلا وجود له بالعمل السياسي، لأن عمل المعارضة ليس تصحيح مسار الحكومة وتقديم النصح لها، فالأحزاب ليست جمعيات خيرية على أية حال، أن واجبها هو استغلال الفرص لإسقاط الحكومة بواسطة الاستجوابات أو سحب الثقة، وقد تحصل الحكومة على ثقة البرلمان فتبقى بالسلطة وإذا حصل العكس تستقيل، فمثلاً لم يحجب البرلمان الياباني الثقة عن حكومة (شينزو آبي) بعد طلب قدمه الحزب الديمقراطي وثلاثة أحزاب معارضة أخرى عام (2016)، ولكن البرلمان البريطاني سحب ثقته من رئيس الوزراء (جيمس كالاهان) عام (1979)، هذه هي السياسة.
واحياناً يفوز حزب المعارضة بالانتخابات المحلية وعندها يكون دوره مزدوجاً، فهو حزب معارض للحكومة الاتحادية ولكنه حزباً حاكماً في الإقليم الذي يفوز فيه بينما الحزب الحاكم اتحادياً سيكون معارضاً في حكومة الإقليم، في المانيا فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، وهما من المعارضة، في الانتخابات المحلية التي جرت في ولاية (بادن فورتمبرج) عام (2011) على الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم فلعبا هذه الدور المزدوج.
واحياناً تجري الانتخابات البرلمانية مع المحلية في وقت واحد وعندها تُشكل الحكومتين الاتحادية والمحلية من قبِل الأحزاب الفائزة، في الانتخابات الهندية لعام (2019) فاز حزب (بهاراتيا جاناتا) والأحزاب المتحالفة معه بأغلبية مقاعد البرلمان (353 مقعد) فشكل الحكومة الاتحادية برئاسة (ناريندرا مودي)، وفي نفس الوقت فاز في برلمانات (8) ولايات فتولى الحكم فيها أيضاً، اما حزب المؤتمر الوطني وحلفائه (91 مقعد) فكان حزب المعارضة للحكومة الاتحادية، ولكنه فاز في برلمانات بعض الولايات فتولى الحكم فيها وأصبح حزب (بهاراتيا جاناتا) معارضاً في هذه الولايات.
طبعاً الحزب أو التحالف الذي يشكل الحكومة يستحوذ على جميع المقاعد الوزارية لكونها تمثل استحقاق سياسي وانتخابي له، ولكون منصب الوزير موقع سياسي يديره أحد منتسبي الحزب لتنفيذ برنامجه الانتخابي، ومن الممكن الإستعانة بأشخاص من خارج الحزب أو حتى من الحزب المعارض لشغل مقاعد وزارية، في النمسا فاز تحالف من حزبي الشعب والحرية في انتخابات عام (2017) وشكلا الحكومة برئاسة (سيباستيان كورتس) ومع ذلك تم تعيين (4) وزراء مستقلين بالحكومة، وعندما تولى الديمقراطي (باراك أوباما) منصب رئيس الولايات المتحدة أبقى الجمهوري (روبرت غيتس) وزيراً الدفاع.
اما المناصب الأخرى في هيكلية الدولة (ما دون منصب الوزير) فهي ليست من حق الأحزاب الحاكمة أو المعارضة أصلاً، أنها تخضع للتسلسل الإداري الهرمي، لأنها تمثل العمود الفقري للدولة ويشغلها خبراء تكنوقراط لا علاقة لهم بالسياسة، ولا ينبغي لها أن تتأثر بعملية المداورة وتولي الحكم بين الأحزاب بل تتمتع بالثبات والاستمرارية لبناء هيكل اداري متين وراسخ تنتقل فيه الخبرة من جيل إلى أخر بشكل طبيعي، ولهذا استمر (إدغار هوفر) بمنصب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي للفترة من (1935-1972) رغم تبدل ستة رؤساء جمهورية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعمل (جاك فوكار) بمنصب مستشار الشؤون الافريقية في فرنسا لمدة (18) سنة مع ثلاثة رؤساء جمهورية.
أنهم خبراء يعلمون من أجل البلد وشعبه وليس لفائدة الأحزاب.
اضف تعليق