يتحجج قادة بعض الدول (النامية) بأن التنمية الشاملة المستدامة لبلدانهم تحتاج الى وقت طويل قد يمتد إلى عقود عديدة، وأن شحة الموارد الطبيعية تمنعهم من العمل من أجل تقدمها، خاصة بوجود كثافة سكانية لا تتناسب مع تلك الموارد، وأن الفساد متفشي ومن الصعوبة القضاء عليه...
يتحجج قادة بعض الدول (النامية) بأن التنمية الشاملة المستدامة لبلدانهم تحتاج الى وقت طويل قد يمتد إلى عقود عديدة، وأن شحة الموارد الطبيعية تمنعهم من العمل من أجل تقدمها، خاصة بوجود كثافة سكانية لا تتناسب مع تلك الموارد، وأن الفساد متفشي ومن الصعوبة القضاء عليه، وغيرها من الاعذار والمبررات.
لكن هل هذه مبررات واقعية؟
هناك شخص اسمه توماس سانكارا (Thomas Sankara) أثبت ان كل هذه الحجج واهية وغير صحيحة، وانه بالإستثمار الأمثل للموارد البسيطة يمكن تنمية البلد بفترة قصيرة لا تتجاوز (4) سنوات فقط.
لكن كيف؟ ومَنْ هو سانكارا؟
حسناً لنعد الى البداية...
جمهورية (فولتا العليا) من الدول الفقيرة التي تقع جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، (مساحتها حوالي 224.000 كم² وسكانها حوالي 16 مليون نسمة)، تعاني من الدكتاتورية، الانقلابات العسكرية، الفقر، الجفاف، الفساد، التصحر، تفشي الأمية، انتشار الأمراض، وغيرها من المشاكل.
في آب (1983) قام النقيب سانكارا بانقلاب عسكري ليصبح رئيساً للجمهورية، فماذا استطاع ان يفعل لبلده الفقير؟
هذه بعض إنجازاته باختصار:
- ضاعف الدخل الفردي من (250) دولار إلى (1500) دولار.
- غيّر اسم الدولة الى (بروكينا فاسو) والتي تعني (بلد الناس الشرفاء).
- رفض كل الإمتيازات المخصصة لرئيس الدولة وجعل راتبه (450) دولار فقط.
- اهتم بالتعليم وقام بحملة لمحو الأمية، فارتفعت نسبة المتعلمين من (50%) إلى (90%).
- خفّض رواتب الوزراء وباع أسطول سيارات (الليموزين) الثمينة في الموكب الرئاسي، مكتفياً بسيارات رخيصة من نوع (رينو 5).
- أقام مشاريع الإسكان والبنية التحتية وقضى على الأحياء الفقيرة عن طريق بناء (7000) قرية وإنشاء (700) كم من الطرق والسكك الحديدية.
- اهتم بالزراعة وضاعف الإنتاج عدة مرات، وخاصة القمح والقطن، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، وغرس (10) مليون شجرة لإيقاف التصحر.
- حرص على منح حقوق كثيرة للمرأة، حيث يُعد الرئيس الأفريقي الأول الذي يمنع ختان الاناث وزواج القاصرات ويٌعيّن نساء في المناصب العليا للدولة.
- اهتم بالصحة العامة عن طريق تطعيم (2.5) مليون طفل ضد الأمراض السارية، ووفر الرعاية الصحية المجانية للمواطنين مما أدى إلى إنخفاض معدل الوفيات من (280) لكل (1000) طفل إلى (145) لكل (1000) طفل.
لكل هذه الإنجازات، وغيرها، أطلق الشعب عليه لقب (جيفارا أفريقيا)، لكنها أثارت خوف زعماء الدول الأفريقية الأخرى لأن انتشار أفكاره واعماله بين شعوبهم يهدد مراكزهم، فتحالفوا مع فرنسا التي شعرت بدورها انه يعمل بالضد من مصالحها في القارة، فتآمروا جميعاً ونظموا انقلاباً عسكرياً بقيادة (بليز كومباوري) في تشرين الأول عام (1987) أدى إلى قتله وعمره لا يتجاوز (37) سنة، وكان كل ما يملكه: سيارة قديمة، ثلاجة عاطلة، غيتار، ومبلغ (400) دولار فقط.
كان الثائر سانكارا عازف غيتار ماهر، يعزف على غيتاره ويحلم بتحقيق إنجازات كبيرة لشعبه، وفعلاً حقق، رغم الصعوبات، الكثير من أحلامه في مدة قصيرة مقدارها (4) سنوات فقط.
في العراق، البلد الذي تبلغ ثروته من الموارد الطبيعية حوالي (16) ترليون دولار، ولديه موازنات سنوية انفجارية، تتباهى حكوماته المتعاقبة بأنها تمنح كل فرد عراقي نصف كيلوغرام من العدس سنوياً في شهر رمضان!!!
لنتخيل فقط: لو أن سانكارا رئيساً للعراق!
اضف تعليق