واقصدُ بالذّات، هنا، كلّ ما يتعلّق بالوطن والمجتمع، ففي مرحلة الحرب على الارهاب تزداد الحاجة لدور المواطن في حماية مقومات النجاح، وتجاوز مخاطر التحدّيات، فالأمر لا يقتصر على مؤسسات الدولة، ولا حتى على منظّمات المجتمع المدني، وانما هي مسؤولية تضامنيّة وتشاركيّة، ينبغي ان يتحمّلها الجميع على قاعدة {كُلّكُم راعٍ وكُلّكُم مسؤولٌ عن رعيّته} طبعاً مع الأخذ بنظر الاعتبار الموقع والدور والامكانيات التي تتحدّد على اساسها سعة هذه المسؤولية او ضيق مجالها.

ولانّ الحرب على الارهاب تتمحور بالدرجة الاولى حول الحرب النفسيّة التي تمكّن احد الطرفين من الاخر، لذلك ينبغي على كلّ مواطن ان ينتبه الى هذه الحرب ويسعى لتحمل قسطه من المسؤولية، فلقد اتاحت لنا وسائل التّواصل الاجتماعي فرصة كبيرة جداً لان نتحمّل مسؤولية المساهمة في صناعة رأي عام لصالح الحرب النفسية التي يلزم ان نشنّها ضِدّ الارهابيّين لتدمير معنويّاتهم قبل تدميرهم في ميادين المواجهة، فان ذلك يقلّل من التضحيات ويوفّر علينا الكثير من الوقت والجهد.

ان مسؤوليتنا على هذا الصعيد تتجلّى في مستويين؛

الاول؛ شنّ الحرب النفسية ضدّهم، والثاني؛ إيقاف تأثير حربهم النفسيّة في المجتمع، من خلال فضح الاكاذيب ومحاولات التضليل، لنزع أسنانها وبالتالي لإفراغها من محتواها والقضاء على اي تأثير سلبي محتمل.

ادناه، بعض الخطوات العمليّة التي يمكن تبنيها من قبل الاعلاميّين والمثقّفين تحديداً، كونهم الاقدر عليها، ولكونها تلامس رسالتهم في المجتمع، للمساهمة في صناعة الرأي العام المطلوب في هذه الحرب:

الف؛ لكونهم الاقدر من غيرهم على تحديد هويّة الخبر ودقته وفحواه والغرض منه، كاذباً كان ام صادقاً، بحجمه الطبيعي ام مضخّماً، مدسوسٌ فيه السّم ام مجرّداً، وكذا الامر بالنسبة للصّورة ومقاطع الفيديو والتحليلات والتصريحات المنسوبة، وكذلك كونهم اقدر على تحديد الاولوية في النشر من عدمه، وما اذا كانت المصلحة العامّة تقتضي النشر من عدمه، لذلك، يمكن لكلّ واحدٍ منهم ان يبادر فور استلامه لأية مادة اعلاميّة على وسائل التواصل الاجتماعي، الى تحليلها، فاذا تبين له انها مادة مفبركة او غير دقيقة، او اتّضح له ان المصلحة العليا لا تقتضي نشرها الان، فليسرع الى التنبيه على كلّ ذلك، من بَعثَ له المادة، خاصة اذا كانت مضلِّلة وغير صحيحة، ليتم تداول التحذير في كل وسائل التواصل الاجتماعي، كما تنتشر الكذبة، من اجل مواجهتها وايقافها عند حدّها ومنعها من الانتشار اكثر فاكثر، على طريقة نشر التحذيرات التي تصلنا بخصوص أَكلة معينة او منتج ما او ما أشبه.

باء؛ السّعي لتحديد الاولويّات صباح كل يوم من خلال المبادرة الى جرد الاخبار مبكراً ومن ثم تحديد اهمّها واخطرها وأكثرها فاعليّة لهذا اليوم، مثلاً، ومن ثم بذل أقصى الجهد لان يكون هو الاولوية خلال اليوم لدى اكبر عدد من الناس، ما لم يحدث طارئ يغيّر ويبدّل الاولوية.

انّ واحدة من اهم اسباب العجز عن صناعة راي عام مؤثر، هو تعدد الاولويّات في اللحظة الواحدة، فلا تجد اثنان يبحثان او يفكّران بموضوع واحد، انما (كلُّ يغني على ليلاه) في جو من الفوضى والصخب الاعلامي العجيب الذي تكاد ان لا تجد مثله في ايّ مجتمع اخر، ولهذا السبب تضيع الاولويّات وبالتالي نعجز عن رسم السياسات الإعلامية العامة التي تتحلّق حولها الأغلبية على الأقل.

جيم؛ ومن اجل التأثير في تحديد الاولويّات بشكل يومي، يمكن المبادرة الى تشكيل مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي مهمّتها الاتّفاق قدر الإمكان على تحديد الاولوية صباح كل يوم ومن ثم التعاون على نشرها على نطاق واسع، فاذا تمكّنت هذه المجموعات من إيصال الفكرة الى الف معني من مثقفين وإعلاميين تحديداً صباح كلّ يوم باكراً، وفي مناطق مختلفة ومواقع متعدّدة ومتنوّعة، هذا يعني اننا سنقترب كثيراً من صياغة هذه الاولويّات وقيادة الراي العام بالاتجاه الصحيح.

وما يُزيد من فرص النجاح بهذا الصدد، هو تلمّس الراي العام دقة خياراتنا للأولويات، وبمرور الزمن والتجربة التي نركز بها خبراتنا التي تنصبُّ فيها افضل متابعاتنا، فستتحوّل مثل هذه المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي الى مصدر مهم من مصادر تحديد الاولويّات ورسم اتّجاهات الراي العام لصالح القضية الأهم في كل يوم.

دال؛ واخيراً، فانا أتصوّر ان الخطاب الاسبوعي الذي تدلي به المرجعية الدينية العليا من خلال منبر الجمعة من العتبة الحسينية المقدسة، يمكن ان يكون محور أولويات أسبوعية يجري العمل عليها لصناعة راي عام ثبت بالتجربة انه يَصُبُّ في الصالح العام لحماية المنجز من كل انواع المخاطر، لما يتمتّع به هذا الخطاب من روح وطنيّة عابرة لكلِّ الانتماءات الضيّقة التي لا تستوعب الهم والهدف الأكبر، من جانب، ولما نلمس فيه من مسؤولية تتبلور بالرقابة الدقيقة وتشخيص الحاجات وتحديد الحلول، من جانب اخر، ولكونه خطاباً يُلامس الواقع بشكل دقيق بعيداً عن المثاليّة والتنظير والتّحليق خارج السرب كما يقولون، من جانب ثالث.

ولكلّ ذلك، اعتقد ان لهذا الخطاب الاولوية القصوى ليكون مسطرةً في العمل على تحديد الاولويّات ورسم اتجاهات الراي العام.

ان مثل هذه المهمة صعبة للغاية، خاصة في مجتمع منقسم على نفسه في الاهتمامات والرؤية والمتبنيات وفي كل شيء، مثل المجتمع العراقي اليوم، لا يمكن تحقيقها ابداً اذا انطلقنا من هويّات ثانويّة غير الهويّة الوطنية كما هو الحال الان، فقاعدة الانطلاق مؤشر مهم جداً عند تحديد نسبة نجاح او فشل مثل هذه المهمة. فكلّما ضيّقنا القاعدة كلما لامسنا الفشل، والعكس هو الصحيح، فاذا اعتمدنا القاعدة الوطنية، فسنقترب اكثر فاكثر من النجاح، ولا اعتقد ان جهة، اليوم، تحمل العنوان الوطني بأوسع معانيه وعناوينه مثل الخطاب المرجعي الذي يمكننا اعتماده للتأسيس للأولويات.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق