فالحقيقة كالشمس الساطعة في صيف حزيران لا يمكن تغطيتها، والصفقة تطبق في كل المفاصل الدقيقة لقضايا الصراع وعلى كل المستويات؛ فثمة مستويات رئيسية في القضايا الكبرى قد حسمتها الادارة الأمريكية وبدايتها كانت قضية القدس التي حسمت مصيرها بمنحها لإسرائيل عبر الاعتراف بضمها لها كعاصمة موحدة...
" من لا يرى من الغربال فهو أعمى"... مثل شعبي يعبر عن ما يجرى اليوم فيما يخص التسوية الأمريكية المعنونة بصفقة القرن والتي ينتظر المتعامون سياسيا إعلانها؛ فالحقيقة كالشمس الساطعة في صيف حزيران لا يمكن تغطيتها، والصفقة تطبق في كل المفاصل الدقيقة لقضايا الصراع وعلى كل المستويات؛ فثمة مستويات رئيسية في القضايا الكبرى قد حسمتها الادارة الأمريكية وبدايتها كانت قضية القدس التي حسمت مصيرها بمنحها لإسرائيل عبر الاعتراف بضمها لها كعاصمة موحدة ونقل سفارتها لها؛ وبنفس المستوى من القضايا الكبرى تعاملت الادارة الامريكية مع قضية اللاجئين التي أفردنا مقال مفصلا عنها هذا الأسبوع الماضي.
وبينما الادارة الأمريكية تقوم بتنفيذ صفقتها؛ فإن اسرائيل هي الأخرى تقوم بتنفيذ بنود الصفقة التي لم تعلن بعد بنفس الأسلوب عبر فرض واقع سياسي جديد على الأرض بتنسيق دقيق جدا مع إدارة ترامب التي تدرك جيدا أن فرض الصفقة كواقع على الأرض هو السبيل الوحيد لتمريرها.
وعليه فإن اسرائيل خلال السنة الأخيرة قامت بعدة خطوات كان أهمها:
تشريع قانون القومية الذي يرسخ يهودية الدولة العبرية وينفي أي صلة تاريخية لسكانها الأصليين الفلسطينيين بأرضهم؛ ويجعلها حصرا بالرواية الصهيونية الإسطورية المزعومة؛ وهو ما يفرض على الأقلية الفلسطينية خياران إما البقاء في الدولة العبرية بمواطنة من الدرجة الثانية أو الرحيل، وهنا تحسم إسرائيل أي تطلعات قومية مستقبلية لسكان البلاد الأصليين.
إعادة صياغة العلاقة مع السلطة الوطنية الفلسطينية من طرف واحد وذلك بإعادة تدوير اتفاق أوسلو بشكل عملي على الأرض ليتحول شيئا فشيئا إلى صيغة تعبر عن واقع العلاقة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في صفقة القرن، وخصم قيمة مخصصات الشهداء والأسرى من عائدات الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة هي البداية؛ إذ أن هذه الخطوة تمثل ضربة قاضية لاتفاق باريس وهو الملحق الاقتصادي لاتفاق أوسلو كما أن الخطوة تنطوي على سياسة خطيرة تمس جوهر سيادة السلطة على مواطنيها وهي السيادة الوحيدة التي منحتها الاتفاقات الموقعة للسلطة.
وبهذه الخطوة التي تمس الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني تريد اسرائيل خلق تناقض بين القيادة الفلسطينية والشعب عبر تحميل السلطة المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن رفضها تلقي عائدات الضرائب منقوصة؛ وهى سياسة استعمارية معهودة تنطوي على خلق تناقض بين أهداف وطموحات الشعب في تحقيق الحرية والاستقلال وبين استقرار حياته الانسانية اليومية بشكل أدمي؛ وهو نموذج جربته اسرائيل مع قطاع غزة سلفا ونجحت فيه بتحويل المطالب السياسية إلى مطالب انسانية عبر ما يزيد عن عقد من استخدام تلك السياسة مع قطاع غزه، وهى اليوم تعيد أسلوبها في الضفة الغربية بآليات مختلفة؛ لكنها بنفس المضمون والذي يستهدف كسر المفاهيم الأساسية لأدبيات النضال الوطني الفلسطيني وتجريمه عبر وصمه بالإرهاب وفرض ذلك عمليا كواقع على الأرض.
إن سياسة الابتزاز المالي التي تنتهجها اسرائيل بخصم قيمة رواتب الأسرى والشهداء من عائدات الضرائب هي خطوة إن نجحت في تمريرها؛ فإنها ستلحقها بخطوات أخرى في مجالات عدة وأهمها المناهج التعليمية فلن يتفاجئ أحد إذا ما اقتطعت اسرائيل جزءا من عائدات الضرائب من مخصصات وزارة التعليم باعتبار أن مناهجها تمجد النضال الوطني الذي تعتبره تحريض على الارهاب ولا يساعد في نشر ثقافة السلام؛ وسينجلي الأمر على باقي القطاعات الثقافية والعملية وصولا إلى المرحلة الاستسلام الفكري والثقافي للرواية التاريخية الصهيونية وهو جوهر ما تريده إسرائيل.
إن ما تقوم به اسرائيل اليوم هو في الحقيقة بروفا عما سيحدث فعليا على الأرض بعد إعلان صفقة القرن؛ والذي بات من المؤكد أنها سترفض فلسطينيا؛ وهو ما ستستغله اسرائيل على نطاق واسع وعلني في تنفيذ بنود الصفقة من طرف واحد؛ وهو ما يعنى أن على الفلسطينيين أن يستعدوا لمواجهة مرحلة هي الأصعب في قادم الأيام وعليهم إدراك أن سياسة العمل بردة الفعل لم تعد سياسة ناجعة في المرحلة القادمة؛ وعليهم أن ينتقلوا إلى سياسة إحداث الفعل بحيث يكونوا هم الفاعلون وإجبار إسرائيل أن تتصرف طبقا لفعلهم وأول ما يجب علينا فعله هو إنهاء الانقسام وتوحيد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ وكذلك توحيد قوى النضال الشعبي والعسكري في شطري الوطن تحت قيادة وسلطة واحدة.
وهذا هو الحد الأدنى من مقومات الصمود والتصدي التي لن يكون بمقدور الفلسطينيين مواجهة المرحلة القادمة بدونها؛ وأي إدعاء غير ذلك إنما هو خداع وخيانة مستترة للشعب وللقضية يريد من يدعيه أن تمرر صفقة القرن ليجني مكاسب شخصية وحزبية ويتنصل هو من جريمته التي حتما سيسجلها التاريخ عليه في صفحات الخيانة والعار.
اضف تعليق