q
عندما تثور الشعوب على حكوماتها يطلق عليه، اسم الثورة أو المظاهرة، أو الاحتجاج، أو \"المسيرة\" والربيع وحتى بالمانيفا manif.. اختصارا لدى الفرنسيين أما نحن في الجزائر فحتى الآن بعد عشر أسابيع من اندلاعه ما زلنا نسمي احتجاجنا بالحراك الشعبي السلمي موشحا بشعار \"خاوة خاوة...

عندما تثور الشعوب على حكوماتها يطلق عليه، اسم "الثورة" أو "المظاهرة"، أو "الاحتجاج"، أو "المسيرة" و"الربيع" وحتى بالمانيفا manif".. اختصارا لدى الفرنسيين "أما نحن في الجزائر فحتى الآن بعد عشر أسابيع من اندلاعه ما زلنا نسمي احتجاجنا "بالحراك الشعبي السلمي". موشحا بشعار "خاوة.. خاوة" لما يحمله حراكنا من تلاحم سلمي بين كل أفراد الشعب الجزائري فيما بينهم، وخاصة مع الجيش الوطني الشعبي.

لكل شعب ميزته الخاصة يعبر بها عن انشغالاته، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لكن المتعارف عليه أن أغلب “ الانشغالات أو الاحتجاجات” يميزها "سوء" التنظيم والفوضى وإشعال إطارات المركبات والاحتكاكات مع قوات الأمن، والاعتقالات ووقوع خسائر بشرية ومادية وحتى سقوط أرواح بشرية في أغلب الأحيان.. وخاصة في دول العالم الثالث، وبالبلدان العربية بالأخص، التي صارت مجتمعاتها تخشى التظاهر لما يسببه من "ثمن باهظ". رغم أنه حق دستوري، وتعبير ديمقراطي لواقع سياسي متأزم.

كنا نعتقد أن التظاهر في بلد “الجن والملائكة” فرنسا، يميزه التنظيم وحتى الفرجة، لكن تظاهرات “السترات الصفراء” التي اندلعت منذ الأسبوع الحادي عشر شابها الكثير من العنف والحرق وتخريب الممتلكات والاعتقالات؟ حتى خيل لنا، أننا ببلد من بلدان العالم الثالث بالنظر لما تنقله شاشات التلفزيون العالمية من خسائر مادية وبشرية وقوة المواجهات بين قوات المتظاهرين والأمن.

أما في الجزائر باعتبارها بلد من صنف العالم الثالث فقد شذت عن القاعدة كظاهرة احتجاجية سلمية، لم نتعود عليها بما حملته من سلوكات وتفاعلات حتى أنها صنفتها وسائل إعلام عالمية بالحضارية والراقية. فقد أسقط "حراكنا السلمي" كل الرهانات التي كانت تتوقع خروجه عن طبيعته السلمية، ومن ثم إدخال المجتمع الجزائري في أزمة أمنية حقيقية لا يحمد عقباها.

ومع مرور 70 يوما لحد الآن أكد الحراك الجزائري تعلقه بمفهوم "السلمية" بما تحمله من معاني الأخوة بين المتظاهرين وقوات الأمن بمختلف أسلاكها تأكيدا وإلحاحه على المطالب الشرعية. المتمثلة في عدم ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المريض من طرف "العصابة" كما وصفها فيما بعد قائد أركان الجيش الوطني الشعبي. والمطالبة في مرحلة ثانية بتنحي كل رموز النظام السابق ومحاسبتهم

فالأصداء التي رافقت توقعات المتتبعين الغربيين وغيرهم من بعض العرب، بإخفاق الحراك في مطالبه والتصدي له بعنف أو بانزلاقه إلى ما لا يحمد عقباه، ردت عليها الجماهير الجزائرية بمخالف فئاتها الواسعة بمواقف وصفت بالراقية والحضارية، حيث يبدأ الحراك الشامل عبر كامل مدن الإقليم بعد صلاة الجمعة مباشرة وينتهي قبل أذان صلاة العشاء بنصف ساعة لتنظف كل شوارع المدن.

لقد وجد النظام المغضوب عليه صعوبة في كيفية تأسيس حلقة اتصال مع مكونات الحراك الشعبي من أجل توفير مخرج للأزمة رغم أنه في كل جمعة يلبي مطالب الحراك لكنه فشل في معرفة أسماء قادة الحراك...؟ بل طلب الحراك تسليم الحكم لشخصيات نزيهة توافقية لإدارة المرحلة الانتقالية ومن ثمة سيتعرف العالم عن أسماء محركي الحراك وهي الخطة التي طبقتها جبهة التحرير الوطني مع فرنسا عندا كانت تحتل الجزائر1830-1962.

فجأة تغيرت صورة الجزائري لدى العالم الغربي من ذلك الفرد "المتهور" كما كان يصوره الإعلام المتصهين بالتواطؤ مع المفسدين في الداخل، إلى ذلك "الإنسان الوديع المحب للسلم والسلام". لأنه عبر عن رأيه السلمي في “إرادة التغيير” بكل هدوء وسلمية دون إحداث جدير أن تتناقله وتضخمه وسائل الإعلام العالمية أو تأخذه السلطة الفاسدة كذريعة لضربه والقضاء عليه..

لقد استفاد الشعب الجزائري من تجارب الشعوب في إدارة صراعها مع الديكتاتورية عبر التاريخ من اجل الحرية ومناهضة الظلم والفساد والكراهية للخروج بسلام نحو بر الأمان وهو ما لا يعجب الكثير من المحرضين حتى لا تكون التجربة الجزائري أنموذجا في التصدي لكل المظالم...

لقد شكل الحراك الجزائري دهشة لدى العام والخاص في الداخل والخارج "لسلميته" التي كاد أن لا يصدقها أحد، لولا أنها لم تكن منقولة عبر الفضائيات على المباشر، وموثقة في مواقع التواصل الاجتماعي..

وما ميّز حراك الجزائر أيضا هو التعامل اللطيف والهادئ للسلطات الأمنية معه مما أعطى صورة راقية لفضاء احتجاجي زينته الشعارات المتنوعة التي حملها المتظاهرون، حتى أن أصحاب "السترات الصفراء" الفرنسيين تمنوا التظاهر في الجزائر، وحتى أن بعض أفراد المجتمع المدني في أمريكا حيوا حراكنا بل افتخروا به.

* أستاذ جامعي–الجزائر

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق